الدكتور عبد العزيز النفاتي معروف في العلاقات الدولية وخبير سياسي تونسي يعيش في فرنسا عاد الى ارض الوطن مؤخرا ليساهم من موقعه بآرائه وافكاره في كيفية تنظيم عملية الانتقال الديمقراطي بيسر دون عسر تأسيا بالتجارب الديمقراطية في العالم المتقدم ... «الشروق» التقته وأجرت معه هذا الحوار عن توقعاته بالنسبة للمرحلة الراهنة والقادمة في بلادنا . ما الذي تتوقعونه بالنسبة الى مستقبل تونس؟ طبعا تونس بلد متقدم حضاريا وانسانيا لذلك كان الشعب سباقا في تفعيل ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي ...وعلى نحو أو آخر فإن التونسي وطني ويحب بلده وهو لا يريد له الخراب والدمار .. ثم ان تركيبتنا النفسية والاجتماعية تجعلنا بمنأى عن الهزات السياسية طويلة المدى وعليه فإنه بشيء من حسن تسيير الامور ستدور العجلة وعلى جميع المستويات افضل مما كانت وهذا ما أرجوه ولا أرجو غيره. ودعني افصل وافسر هنا فاقول ان تونس ومحيطها العربي والافريقي تبحث عن ارادات وليس فقط ارادة واحدة، تبحث عن احترام قيم المواطنة والسيادة والديمقراطية وحقوق الانسان والتي يمكن تلخيصها في كلمة واحدة هي «ارادة الحياة» ولا نعني بها تلبية الحاجيات بالمعنى المادي فقط وارضاء الرغبات مثل الاكل والشرب والصحة والتسلية والمسكن اللائق والرياضة والفنون وانما ايضا الرغبة في الوجود الأرحب وفي تحقيق الذات واحساس الانسان بأنه كائن تحترم كرامته في دولته. تونس مقبلة على استحقاق ديمقراطي هي اهل له منذ عقود لولا عقلية الاستبداد التي حكم بها السابقون تونس ...الشعب التونسي هو شعب متفتح وهو ما سوف يسهل عملية الانتقال الديمقراطي الهادئ والرصين وعلى أسس صحيحة ثابتة. هل اعجبتك الحملة الانتخابية كملاحظ عاش في الخارج وعاد الى تونس ليقف على أسس وآليات هذه التجربة الديمقراطية ؟ طبعا الشيء الثابت والاكيد ان الحملة ككل كانت وليدة وكل مولود جديد لا بد ان يمر بمرحلة مخاض تسبق عملية الولادة وهكذا هو شأن هذه الحملة ولكن ما اعيبه على زعماء الاحزاب تلك النبرة الخطابية الصاخبة فلقد علمتنا السياسة ان الصراخ لا يؤدي الى نتائج ملموسة ..بل الهدوء ورحابة الصدر فضلا عن البرامج المنطقية التي تستند الى ارقام ودراسات هي التي نحتاجها في خطابات الاحزاب ...على كل حال سوف نتعلم فن ادارة الحملات الانتخابية مع مرور الوقت ولكن نصيحتي للجميع تتمثل في انه على رؤساء الاحزاب ان يكونوا قدوة للناس فكيف ستسوس الناس وانت في تصريحاتك تسب وتلعن وتقزم هذا وذاك ...مثل تلك التصريحات تعطي انطباعا سيئا للمواطن وهذا لا يجوز في مفهوم الديمقراطية الحضارية . ايضا لاحظت ان اغلب الاحزاب تقول كلاما فضفاضا لغاية الحصول على مقعد في المجلس التأسيسي وهذا يسمى نفاقا سياسيا منمقا ..ولقد كان الأجدر ان نحترم الذات ولا يدخل الى هذا المجلس الا كل كفء يفيد الوطن فالمناصب تزول وتونس تحتاج في هذه الفترة الى عقول تفكر وسواعد تعمل اكثر من حاجتها الى السن تشقشق وهي لا تعرف ماذا تريد ولا كيف ستتصرف؟ ...تونس تحتاج الى ارادات ولا الى هذيان محموم ..فمن يهذي كثيرا يفعل قليلا وهكذا علمتنا الحياة وتجارب العمر. ما رأيك في من سيزعم ان الانتخابات ستكون مزيفة ؟ من يزعم ذلك اما مراهق في السياسة او هو يشعر انه مهزوم قبل حتى ان يخوض الانتخابات ...لا اظن البتة ان الانتخابات ستكون مزيفة لان العالم كله يتابعها بشغف والمعلوم ان الشعب سيكون بالمرصاد لاي خلل ...ثم هناك هيئة عليا تتابع وهي حريصة على انجاح هذا العرس الديمقراطي التونسي الاول من نوعه في العالم العربي ..ونحن هنا نعول على الوعي والضمير ..ليس في مصلحة احد ان تزيف الانتخابات المهم والاهم ان يصوت الشعب لمن يراه اهلا للتعبير عن مشاغله ...ولعلم الجميع هذه تجربة لا بد ان تنجح بعيدا عن مزايدات الفاشلين وبنجاحها سننجح في تجارب أعمق وأبلغ أثرا ...هذه الانتخابات ماهي الا محطة من محطات عديدة اخرى قادمة فلنحرص جميعا على انجاحها كل من موقعه . كانت هذه السنة حافلة بالأحداث في الدول العربية ماذا يحمل هذا الزخم الجديد نحو الحرية في المغرب الكبير والشرق الأوسط؟ يمكن تفسير ما يجري من احتجاجات بكونها انتفاضات وثورات فيما يعرف إعلاميا بالربيع العربي، بنهاية عصر النخبة العربية الاستبدادية المعاصرة، إذ تشترك معظم البلدان التي شهدت مطالبة الجماهير بإسقاط الأنظمة، أن النخب الحاكمة فيها تجاوزت فترة حكمها ما بين العشرين والأربعين سنة، وأن سن الحكام ما بين 70 سنة وفوق 80 سنة، وهو السن الذي لا يتكيف مع متطلبات الشباب العربي وطموحاته الذي يمثل ما بين 60 و70 بالمائة من المجتمع، يضاف إليها أن هذه الأنظمة لا تريد مغادرة السلطة.أصبح الفساد هو الشرعية الوحيدة التي تقوم عليها هذه الأنظمة،سواء باحتكار الثروة أو باستخدام المال العام لتكريس التوريث. وبالتالي فإن الاستبداد وتعميم الفساد كانا بحاجة لشرارة نار بدأت بجسد محمد البوعزيزي في تونس وخالد سعيد في مصر وضحايا سجن أبوسليم في بنغازي وأطفال درعا في سوريا المطالبين بسقوط النظام. الشباب قاد هذه الثورة بعيدا عن المؤسسات السياسية التقليدية، سواء أكانت أحزابا سياسية أم نخبا عسكرية انقلابية، وهو ما يجعلنا نترقب مرحلة للانتقال الديمقراطي من نظام استبدادي إلى نظام ديمقراطي تعددي. وماذا بعد في النهاية نريد منك ان تجمل وتحوصل لنا ما يحدث في تونس ؟ تسمى السياسة فن المستحيل الممكن اي ان المستحيل قد يصبح ممكنا في عرف السياسة ومن هذا المنطلق فنحن نحتاج الان الى سياسة فاعلة لا الى تنظير وايديولوجيات افرغت من محتواها ..نحن نحتاج الى افكار والى عمل دؤوب للخروج من ازمات مستقبلية حادة ...ايضا نحتاج الى كثير من المرونة في التعامل في هذه المرحلة بالذات ونحتاج الى التوافق في الرؤى والبرامج ...ونحتاج كثيرا الى اعلام تنويري تأطيري يقف في صف الحق ولا في صف المجاملات وعلى الشعب ان يصبر قليلا على من سيسوس البلاد ف «توة توة» كما نقول بالتونسي من شأنها ان تخل بنظم الدولة ومن شأنها ان تزعزع الاستقرار وتدخل بلبلة على البرامج والافكار ...وبالله التوفيق راجيا وداعيا.