عادت مؤخّرا بعض مظاهر التوتّر الاجتماعي سواء في علاقة ببدء المجلس الوطني التأسيسي أو في ما جدّ في ولايتي قفصةوالقصرين، وقد ترافقت هذه المظاهر وللأسف الشديد مع أحداث عنف مادي ولفظي وكذلك عمليات حرق وتخريب. إنّ حريّة الاحتجاج ورفع المطالب والمشاغل ستبقى من أبرز الحقوق التي يجب أن تُصان وأن يقع الدفاع عنها لكلّ الفئات والقطاعات والجهات، فذلك من مكاسب الثورة ومن أولويات المطالب التي ناضلت من أجلها أجيال عديدة منذ فترة الاستعمار. إنّ من حقّ المخالفين لحركة «النهضة» أو الإئتلاف الثلاثي الّذي سيحكمُ قريبا البلاد أن يعبّروا عن رفضهم ومُعارضتهم لبعض السياسات أو البرامج وأن يُطالبوا بتوضيحات حول مختلف النقاط والملفات المطروحة . كما أنّ من حق أهالي الحوض المنجمي التنديد والاحتجاج على ما وقع من تلاعب وتجاوزات في ما يخصّ عمليات الانتداب، ومن حقّهم ومن حقّ سائر المواطنين في مختلف الجهات والقرى والأرياف المطالبة بالتشغيل وتحسين ظروف عيشهم وبنصيبهم من ثمار الثروة الوطنيّة وميزانية الدولة، والجميع يؤمن اليوم أنّ ذلك ما فعلتهُ الأغلبيّة الساحقة من أهالي قفصةوالقصرين وسيدي بوزيد وكذلك المواطنون الّذين تجمّعوا أمام مجلس النوّاب يوم افتتاح أعمال المجلس التأسيسي، تشبّع بالقيم الأصيلة والحقوق الثابتة في حريّة التعبير والاحتجاج وممارسة مختلف أصناف الضغط الإيجابي للتعديل وكشف ما خفي من الملفات والأحداث والمقررات الحزبيّة أو الحكوميّة. ومن المؤكّد، أنّه ومع تقدّم الأبحاث الجارية ستتّضحُ للعيان حقيقة ما جرى والّذي أدّى في ما أدّى إلى وقوع حالات للعنف وعمليات تخريب نالت من مكتسبات وطنيّة من مؤسّسات وإدارات عموميّة. ولئن سارعت الأحزاب ومكوّنات المجتمع المدني والمنظمات الوطنيّة إلى التنديد بما حدث، فإنّ الرأي العام ومن بينهم أهالي قفصةوالقصرين سيظلون متطلعين لما ستكشفُ عنهُ الأبحاث من استجلاء وتحديد للجهات أو الأطراف الّتي ما فتئت تستغلّ، ومنذ فترة، مظاهر الاحتجاج الاجتماعي لارتكاب مثل تلك الجرائم. إنّ العنف المادي واللفظي والحرق والنهب والتخريب سلوكات في غاية الخطورة على الدوام وأيّا كانت فضاءاتها أو مجالاتها، ناهيك عن أنّها تبدو اليوم في بلادنا وكأنّها تتحرّكُ بأهداف مدروسة ترمي إلى «تلويث» مسار الانتقال الديمقراطي الّذي تعرفهُ بلادنا والّذي قطعت فيه خطوات هامّة جدّا، وإلاّ ما مبرّر ارتباط تلك الأحداث المؤسفة بمحطات سياسيّة في القطع مع الماضي والتأسيس للمستقبل الجديد. إنّ الشباب في القصرينوقفصة وسيدي بوزيد وفي غيرها من الجهات والّذي صنع ثورة 14 جانفي وتمكّن من إسقاط نظام سياسي قمعي وأصبح محلّ تنويه وإشادة من كلّ دول وشعوب العالم، ذلك الشباب لا يُمكنهُ البتة أن يستهدف مكتسبات بلاده ومؤسساتها وأن ينخرط في تلك الأعمال التخريبيّة، وعلى الأطراف أو الجهات التي تقفُ خلف ما يحدثُ من عمليات عنف وحرق وتخريب يجب أن تعي أوّلا أنّ ما تقوم به مضرّ بالمنزلة والمكانة التي أصبحت تحوزها بلادهم على المستوى الإقليمي والدولي باعتبارها أحد النماذج في مجال الثورات الناجحة، كما أنّها مدعوة إلى تطليق هذه «المنهجيات» و«الأساليب» المغلوطة في التعبير أو الاحتجاج أو المُعارضة والتي أثبتت منذ عهود فشلها. إنّ الوعي الّذي يمتلكهُ التونسيّون والتونسيات والإحساس العميق بالمسؤوليّة وبعمق اللحظة التاريخيّة وما يتطلّع إليه الناس من وجود حكومة فاعلة وصادقة سيُطيح بأهواء كلّ المتآمرين على ثورة 14 جانفي وعلى مسار الانتقال نحو الديمقراطيّة والحداثة والّذين ما فتئوا يركبون قضايا الناس ومشاغلهم ومطالبهم المشروعة لارتكاب مثل تلك الأفعال التي ليست هي من العمل السياسي ولا من السلوك الحضاري في شيء. إنّ تونسالجديدة، تونس الديمقراطية والحرية والعدالة لا يُمكنها أن تُبني بالعنف والحرق والنهب والتخريب بل بترك كلّ ذلك لفائدة ممارسة سياسيّة مدنيّة قوامها الاعتراف بالآخر والإقرار بحق الشعب في تقرير مصيره واختيار ممثليه والعمل الجماعي للإطاحة بكلّ المخربين وكشف مخطّطاتهم وألاعيبهم.