سارت به أهازيج كثيرة نحو ضروب اللامعنى، وأحس أنه أسير للواعج الخيال المبهمة، وأفكاره تأخذه نحو منعرج مميت، وشعر، في ذلك الغروب الحزين اندثر أو صار جمادا... حدق في وجوه لم يألفها من قبل، ولمح في عيني فتاة، تجلس قبالته، سحبا كثيفة شابهت حياته المتقلبة... جمعه ورفاقه المكان والزمان، وغابت روحه عن الطاولة التي جلس، قسرا، عليها. أخذه التيه برهة من الزمن، واشتغلت في رأسه، من جديد، بقايا افكار... رفع يديه الى أعلى وأخذ نفسا عميقا من سيجارة أهملها بعض الوقت، ثم ألقاها على بلاط القاعة بإهمال أشد... اجتاحه إحساس عميق بأنه صار بمثابة عبدا لا سيّد له، وانه عاشق دون معشوقة، وأنه عالم دون علم... ذهب بفكره، لفترة وجيزة، الى حيث لا يريد... لم يستطع تأمل كل الاحداث دفعة واحدة، وأبت مخيلته أن تستوعب الاشياء... تحدث عن غيره وكان، هو، بطل الرواية، لكنه رجع الى نفسه وابطال الحكايات لا يعودون... أجناس كثيرة (قسّمت معه المكان، ولكنه كان بينهم صورة بلا روح). مضت برهة فأحس أن الوقوف أعياه وأنه في حاجة للجلوس وهو جالس... اجتمعت أحاديث زملائه وروّاد المكان لتصبح سلسلة لا معنى ولا هدف ولا سياق لها... خامرته فكرة أن يلقي بهذه الاعتمالات من قمة جبل شاهق أو أن يدفنها في قعر بئر لا قرار له... تبادر الى سماعه أصوات تناديه من كل صوب، فأدار رأسه، بحركة دائرية، مثل مجنون فقد نور عقله، وكان الصوت مثل نباح كلب متقطع فقد صوته جراء الجوع والبرد والتشرد... لكنه، رغم كل ذلك، استطاع أن يعيد ذاته الضائعة، في بحور محيطات وبحور لا شواطئ لها، الى جسده الجليدي... وتمكن بتحدّيه أن يحافظ على ماهيته وإرجاء تكوينه... مضت به عجلة الزمن الى موقع مخالف في زمن مختلف... انبهر بما يحدوه من حقيقة الفكر حتى أثناء التجوال بين أروقة الوهم والخيال... لكنه لم يتعجب إطلاقا... فقط لانه من الرواد القدامى لعوالم الذات والمثال والانعتاق. * العرقوبي قيس خاطرة: كان حلما فهوى هكذا كعادته... عندما يسدل الليل ستاره على الكون يجلس الصبي حاتم الى طاولته يتصفح كتبه وكراساته بحثا عن صورة سلّمها إياه والده ذات يوم تميز الشبه الكبير له... كان حب الاطلاع عليها يثير شجونه ولكنه تعب في البحث بدون جدوى... تأوّه كثيرا لفقدانها ولم يجد سوى الاستغاثة: أماه! أين صورتي؟... أجابته في صوت خافت «نم يا ولدي إن الظلام حالك وبقايا الشمعة الوحيدة على طاولتك ستأفل بعد ثوان معدودات ولا أعلم ما اذا كان والدك سيحمل معه الشموع كعادته». كان قدر الصبي أن يحكم مصيره شمعة واحدة دون العثور على مبتغاه لذلك استسلم للنوم وبقيت الأم تنتظر عودة زوجها وهي في قلق دائم، مرة تزيح ستار النافذة وأخرى تسرق النظر من فتحة الباب حيث لم يكن من عادته العودة في الهزيع الاخير من الليل. لقد زادت شدة الرياح في تصاعد خوفها لكنها ما لبثت أن سمعت طارقا بالباب: «أم حاتم... أم حاتم... افتحي الباب واقبلي أمرك... لقد داست سيارة مجنونة زوجك ثم عاد أدراجه للوراء ففهمت أنه مات... بكت بكاءا حارا لم توجهت لتحتضن ولدها كأنما تريد أن تسرد على مسامعه: «لا تتعب نفسك في البحث عن صورة أبيك... لقد انطفأت كما الشمعة الى الابد». * فؤاد بوقطاية (القلعة الكبرى) عذاب مأساوي لا تبحثي... في أروقة الزمان ولا في مدن النسيان بل ابحثي... في شوارع الدهر لعلك... تجدين خطى الماضي واسألي... إن شئت... عن قرية مأساتي فربما... تعثرين فيها على أنهج العذاب وربما... تصادفك مقبرة آلامي التي ربما... دفنت فيها روح مستقبلي... وأرجوك... لا تطرقي باب الالهام ربما... الشعر وحده لا يكفي * بشير بن حسين (الماتلين بنزرت) * 11/11/2004 اعتباري يوما ما ستأتي إليّ وتبكي... يوما ما ستخبرني كل ما في صدرك... ويصير في الحب وجه واحد، يوما ما سأعرف أنك أحببتني... لكني سأبكي أكثر منك ولن، أقول الحقيقة... يوما ما سأكتم ما في صدري... وأطعن قلبي ولا ألتفت للماضي، يوما ما ستتلبّد السماء، سيتغير لون السحب، وستقول لي أين أنت يا حبيبتي، أين أنت يا حبيبتي، ضعت وضاعت جميع الاسماء والاحرف والحبيبة، لن تجد كلماتك صداها في نفسي، سأخذلك كما كنت دوما تخذلني، وأردّ اعتباري يوما ما * غالية روان (سيدي بوعلي) قصيدة الشوق اشتقت كثيرا اليك... كثيرا كثيرا...! اشتقت اليك... لعينيك الباسمتين لسحرهما! رسول منك إليّا... يزف العمر لروحي! اشتقت اليك، لمرآتك... اشتقت لصوتك يهوي عليّا... ينطق اسمي، يناديني...! مليئا، دفينا، قويا...! اشتقت اليك... لبركان عطر ينفجر عن ثغرك... لحقول ورد وآس... تنبثق عن وجنتيك! اشتقت كثيرا اليك حبيبي... وصبرت كثيرا... كثيرا! حتى أبى الصبر اصطباري... فأين أنت من هذا الذي بي؟! أين أنت من وجعي... من هذا الذي أضناني...؟ أين أنت من هذا الدوار؟! أتراك تحنّ كما أحنّ؟ أتراك تذكرني... تتذكرني...؟! تسمع صوتي! أتراك كما أراك طيفا... تراني في كل شارع وكل ممر... في كل الزوايا... في أي مكان...؟! أو تراك لا تراني؟ فسبحانك... يا من يهجر أمانتي ومن بوصال يبعثني!... يا رجلا أحببتك كثيرا... واشتقت اليك كثيرا... كثيرا...! * رباب المثناني (القيروان) ردود سريعة * يوسف الفرشيشي المرسى: «طائر النورس» ننتظر أفضل منها دمت صديقا لواحة الابداع. * اسماعيل تليلي فريانة: مرحبا بك صديقا جديدا. الكتابة على وجه واحد من الورقة شرط المشاركة في هذا الركن، ننتظر منك نصوصا أخرى. * فاطمة عمارة سلقطة: «سترحل» تكشف عن موهبة شعرية تجعلنا ننتظر نصوصك القادمة. * توفيق الدريدي السبيخة: «لماذا» فيها نفس شعري جميل، ننتظر منك نصوصا أخرى.