عادت قرية سجنان لتشغل التونسيين مرة أخرى على إثر نشر تفاصيل حادثة غامضة تخص العثور على جثة أستاذ تعليم تقني مشنوق في شجرة ثم رواج معلومات لا أحد يعرف مصدرها بأن «جماعة السلفيين» هم الذين نفذوا فيه حكم الشرع. يكتب ناشط سياسي من اليسار على صفحته بأن له أصدقاء كثيرين في قرية سجنان، وأن أهلها أكثر طيبة من أن يصبحوا في قلب فتنة سياسية واجتماعية ومزايدات سياسية. يضيف هذا الناشط: «لقد زرت سجنان مرتين منذ بداية شهر جانفي، رأيت أشخاصا ملتحين مثل ما رأيتهم في عدة مدن تونسية، وربما رأيتهم أكثر عددا وحضورا في حي التضامن بالعاصمة من سجنان. ورغم أني لا أحبهم، وهذا حقي، فإني أقول الحقيقة وهي أني لم أرهم يهددون أحدا في سجنان، هذا لا يعني أنهم لم يقترفوا أية حماقة هناك، وإنما ليسوا بالحجم الذي يروجه البعض». ونقرأ في هذه الصفحة تعليقا لناشطة حقوقية معروفة: «ضاعت حقوق سجنان وأهاليها في العناية والتنمية في ضجيج حكاية السلفيين، تتصدر سجنان الأخبار السيئة فقط ونسي الناس أنها من أكثر جهات البلاد حرمانا». الغريب أننا لم نجد تعاليق تخص هذا الموضوع من أهالي هذه القرية بالغة الروعة والتي يعتبرها زميل متقاعد «أجمل قرية تونسية»، عثرنا على عدة صفحات تفتك الإعجاب تحمل اسم سجنان، وتضم صورا لا تصدق لجمال الطبيعة فيها، وصورا أخرى كثيرة لتلاميذ المدارس يحثون الخطى على الطرقات الطينية دون أن يبخلوا على المصورين بأصدق الابتسامات وأروعها، لكننا لم نعثر في الموقع على صورة واحدة تثبت لنا وجود «غول السلفية» أو سلفيين بصدد الاعتداء على الناس أو التدخل في شؤونهم، ويبدو ذلك غريبا في ظل انتشار أجهزة التصوير والهواتف النقالة التي تتيح التصوير عن بعد دون إثارة الشبهة. لا يقول نشطاء النهضة شيئا عن سجنان، وهو ما يعتبره خصومهم من اليسار والمعارضة «صمت التواطؤ» مع السلفيين، حتى أن أحد أكثر اليساريين نشاطا على الموقع كتب لنا تعليقا جاء فيه: «جماعة النهضة يستخدمون السلفيين في الإعداد لمشروع الدولة الدينية وينكرون علاقتهم به علنا، سوف يتم إعلان إمارات سلفية أخرى في عدة مدن قريبا، لقد حذرناكم ولم تصدقوا». بحثنا في عدة مواقع عن آراء أهالي سجنان ومثقفيها حول مسألة الإمارة والسلفيين، فلم نعثر على شيء يستحق الاهتمام باستثناء بعض المقالات غير الدقيقة عن انتشار ظاهرة السلفيين في القرية بملابسهم الطويلة ولحاهم المطلقة، وفي المقابل عثرنا على مئات التعاليق من أشخاص لا علاقة لهم بالقرية، يتحدثون فيها عن وقوع أهلها تحت حكم السلفيين وتعرض بعضهم للجلد والتهديد بقطع الأيدي بالسيوف والسواطير والرجم. وعندما نزل خبر العثور على الأستاذ المشنوق في غابة غير بعيدة عن قرية سجنان، انبرى العشرات من الناشطين للحديث عن «الإمارة السلفية» التي تحكم المنطقة والتي هددت الأستاذ مرارا بالقتل إن لم يتوقف عن شرب الخمر، ثم عمد بعض جلادي هذه الإمارة إلى شنقه، والدليل «تقييد يديه إلى الخلف» كما يكتب ناشط شاب ما يزال غير قادر على التفريق بين الفاعل والمفعول به في اللغة. يكتب ناشط تونسي في باريس: «الغريب أنه بعد أكثر من شهر على حكاية الإمارة السلفية، لم نر مسؤولا واحدا يزور القرية ويتفقد بنفسه أحوال أهلها، ولم نسمع تصريحا رسميا واحدا من وزارة الداخلية عن هذا الحكايات المثيرة للرعب والدهشة، هل أن الحكاية كلها إشاعة أم أن الحكومة قررت التخلي عن هذه القرية لمن يملك السيوف والسواطير؟