عبشية هي انسانة لكنها لا تعرف لغة البشر ولا التعامل معهم كل ما يربطها بالعامل الخارجي فتحة شباك يمر منها قليل من الضوء لا تعرف من الاصوات غير صوت الحيوانات ولا من البشر غير طيف أمها. هذه المراة التي وصفها البعض «بالمتوحشة» باعتبارها لا تدرك تفاصيل العالم البشري لانها لم تتعود على رؤيتهم طيلة عقود من الزمن ربما قد تتجاوز الثلاثين سنة من العمر او قرابة الاربعين لا احد يعرف عدد السنين لان المعاناة اعمق من ان تعد تلك هي ماساة الفتاة الريفية التي عاشت وترعرعت في سفح جبل لم تعرف فيه غيرالفقروالفاقة والحرمان والجوع والمرض والآلام ولم تسمع سوى أصوات الحيوانات الاهلية وصرير الرياح في الشتاء وتهاطل الأمطار ونزول الثلوج ببردها القارص الذي لفح جسمها لعدة سنوات طوال ومنذ ولادتها لم تر منذ نشأتها سوى أمها ووالدها وأختها التي تعاني المرض ولم تلق سوى الإهمال واللامبالاة ولدت وهي مريضة لكنها لم تخضع إلى أي فحوصات طبية ولا تحاليل ولا رعاية صحية او اجتماعية, الأم او زوجة الأب (تعددت الروايات) تسعى لتوفير العديد من الضروريات الحياتية كجمع الحطب للتدفئة والطهي وجلب الماء من العين البعيدة للشرب والغسيل وأب يلهث وراء لقمة العيش التي ظلت لسنوات طويلة وما تزال إلى الآن شحيحة حتى يسكت 6 افواه جائعة هموم الحياة وتعبها وفقرها جعلت الوالدين يتناسبان عبشية ولا تخضع للمداواة لم تغادر البيت ولو لمرة واحدة كل هذه الظروف جعلت منها إنسانة بالاسم فقط لأنها لاتحمل من الصفات الانسانية غير الشكل لانها فقدت كل ميزات الإنسان الطبيعي وكأنها من عالم غير عالمنا زاد فقدان الرعاية بها من سوء حالتها كطول أظافرها ولباسها وجسمها وتشتت شعرها حتى أن البعض من الناس نعتوها (بالإنسانة المتوحشة ). عبشية رأت العالم الخارجي في المدة الأخيرة ولأول مرة عندما ألم بها المرض وأنهكها فتم نقلها من طرف الاهالي إلى المستشفى الجهوي بجندوبة للتداوي هنا بدا لها عالم أخر فهي من طبعها خجولة وتخفي رأسها عندما ترى الآدميين لأنها ببساطة لم تتعود على رؤيتهم من قبل فلما ابهرها ضوء النهارالذي لم تكن تعرف منه غير البصيص الذي يتسلل من فتحة المنزل وكثرة الضوضاء والصخب وأصوات المرضى وأصوات لم تسمعها إلا لأول مرة أتت بتصرفات بدت وكأنها إنسانة متوحشة. «الشروق» بلغها نبأ هذه الفتاة والبعض من الصفات التي أطلقت عليها فبحثت عنها لتجدها في قرية «صرى رابح» الجبلية من عمادة العطاطفة والتي لا تبعد عن مدينة عين دراهم سوى 6 كلمترات توجهنا إليها في المساء وكان الطقس ممطرا وشديد البرودة وفي أخر القرية وبمكان أشبه بالمستنقع وجدنا المنزل الذي تقيم فيه مع والديها وإخوتها وكم صدمنا مارأيناه من فقر وفاقة وحرمان وكم هالنا رؤية هذه الإنسانة المعزولة ببيت ليس فيه غير قضبان من الحديد تنام عليها جسم ضعيف وتصرفات غريبة ومعاناة أزلية وفقر يلازمها منذ الولادة ,عبشية لا تتكلم ولا تعرف أي شيء سوى الأكل آو أن تمد يدها راغبة في الحصول علىاي شيء. هنا توقفنا وكأنما الزمان توقف بنا لنعود إلى العصور البدائية الأولى لخلق الإنسان الذي لم يعرف من الحضارة سوى أكل اللحم نيئا كي يعيش ولو عرض هذا اللحم على هذه الإنسانة لأكلته ولا تبالي. سلكنا طريق العودة وألف سؤال بالأذهان أين هي الرعاية الصحية التي ظلت لعقود ووزارة الصحة العمومية تتحدث عنها وتمدنا بأرقام قد يعجز الإنسان عن حفظها ؟أين دورالجمعيات الخيرية التي ظلت تجمع الأموال من أصحاب الخير ولكن لا ندري فيما تنفق ؟؟أين دور السلطة المحلية والجهوية بهذه الجهات وخاصة العمد الذين كانوا بارعين في تزييف الحقائق؟؟؟ أليست عبشية بشرا تستحق فقط معاملة انسانية؟؟؟. نداؤنا من الأعماق إلى أصحاب الخير زوروا هذه العائلة وأنقذوها ومن فيها من أب مريض يرتعش وأم صابرة تعاني هموم الزمان كفاهم عذابا ومعاناة كفاهم جوعا وفقرا وفاقة وحرمانا.