اختتمت عشية الاثنين الماضي الندوة الفكرية التي نظمتها لجنة الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 17 ديسمبر 2010 بالتنسيق مع المندوبية الجهوية للثقافة بسيدي بوزيد بقصر السائح للمؤتمرات تحت عنوان « ثورة 17 ديسمبر تأسيس للحق في الديمقراطية و الثورة» وقد تضمنت هذه الندوة 17 مداخلة أثثها أساتذة في علم الاجتماع و الفلسفة و التاريخ من تونس و مصر و لبنان و من جامعة لندن بحضور شباب الجهة و بعض الوافدين من الجهات التونسية لمواكبة احتفالات المهرجان الدولي لثورة 17 ديسمبر للحرية و الكرامة في دورته الأولى و جاء في عدد من المداخلات أن التنمية في تونس لم تكن موزعة توزيعا عادلا بين الجهات وأنها وصلت إلى مرحلة العجز و الفشل في السنوات الأخيرة وأضحت الجهات الداخلية على حالها منسية ومهمشة فيما حظيت الجهات المتبقية بالعناية و تسببت في بروز جهات على حساب أخرى وظهور حركات احتجاجية و اعتصامات و قيام الثورة التي طالب فيها المتساكنون بمراجعة المنوال التنموي و تركيز الاستثمارات وتوفير مواطن الشغل و الانفتاح على كل مكونات المجتمع لتحقيق العدالة الاجتماعية لتكون الثورة مسارا و ليس هدفا معزولا. و عدد الأستاذ فريد العليبي في مداخلته جملة من الإشكاليات على هامش الانتفاضة التونسية التي أصبحت فيما بعد 14 جانفي في قبضة أعدائها و قد استثمرت من قبل الرجعية واستغلت لبعث مؤسسات لتغيير مجرى الانتفاضة و السيطرة على حركة المنتفضين على غرار الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و هو ما خلق نوعا من الاستعصاء الذي يمنع قوة ما من الحركة و يحكم عليها بأن تظل جامدة أو العودة بها إلى الوراء في الوقت الذي عجزت فيه القوى الثورية عن تأسيس هيئات شعبية بديلة إلى حدود موعد انتخابات التأسيسي التي سيطر فيه اليمين أمام مقاطعة الانتخابات من قبل نسبة كبيرة من الشعب و ظلت التناقضات التي تحكمت بالمجتمع زمن بن علي على نفسها المهيمنة بعد و بالتالي فإن الشعار الاستراتيجي الذي رفعه المنتفضون لا يزال ينتظر الانجاز و بين الأستاذ العليبي أن من الأسباب الكبرى للاستعصاء أن الطبقة العاملة ظلت حتى الآن تحت تأثير قوى للرجعية و أن المتحدثين باسمها يفكرون في طرق تمكنهم من التواجد في السلطة دون سواها و حذر من الوسائل المعتمدة والطرق الملتوية التي يمكن أن تقضي على هذه الانتفاضة وورد في بعض المداخلات الأخرى أن الثورة التونسية لم تكن مبرمجة لأن من قام بها لم يصل إلى السلطة كما هو الشأن في بقية الثورات على غرار الثورة الجزائرية و الثورة الفرنسية والثورة الصينية و الثورة الروسية و غيرها التي كان فيها العمل الثوري مبرمجا فهي قد تمثلت في مطالب اجتماعية أطرها النقابيون والمحامون و الحقوقيون وطالبو بالتنظيم بتحديد المسارات الصحيحة للثورة و بين بعض المحاضرين الآخرين أن هنالك قرابة بين ثورة ربيع العربان (ربيع 1864) و بين ثورة الحرية و الكرامة (شتاء 2011) التي دارت رحاهما في مناطق «مثلث الرعب» أو في ما أسماه البعض ب «أرخبيل الإقصاء» المتمثل أساسا في مناطق سيدي بوزيد و القصرين و قفصة والقيروان و الأجوار كما يتشابه فيهما استبداد كل من مصطفى خزندار و بن علي وفسادهما و كذلك تتشابه فيهما الشعارات التي رفعها الأجداد والأحفاد و هو ما عبر عنه بالإرث التاريخي القائم على روح التمرد و عدم الخنوع و معنى الكرامة و روح الحرية .
و في خصوص قرار الاحتراق الذي مثل نقلة من طور الانفعال إلى مجال الفعل فقد ذكر الأستاذ عمر الزعفوري في مداخلته أن الشهيد البوعزيزي احترق عندما توسعت دائرة التهميش بمفعول العولمة التي أثرت سلبا على العلاقة بين الدولة و المجتمع المدني حيث وجد البوعزيزي نفسه هامشيا من أصل ريفي يعيش في وسط حضري و يعاني من مظاهر الغبن و القهر و الهوان والإحساس بالحقرة و التجاهل و التهميش الذي طال الطبقات الشعبية و الوسطى بعد أن توطدت علاقة الحاكم في البلاد مع الخارج فكانت الحرقة كفعل اجتماعي يترجم واقع البلاد عامة وواقع الجهة خاصة. وعن تجليات الثورة التونسية أكد الكاتب الصحفي المصري مصطفى عبد الله ممثلا لوزير الثقافة المصري الدكتور شاكر عبد الحميد في كلمته إكبار الساحة الثقافية المصرية لتدعي تونس وتحية الثوار بميدان التحرير لثوار سيدي بوزيد الذين تدين لهم الثورة المصرية و اكتمالها لتحقيق أهدافها و هو إسقاط نظام مبارك بعد أن أسقطت تونس نظام الطاغية بن علي و أكد مصطفى عد الله الكاتب الصحفي بجريدة الأخبار و رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب حتى 17 ماي 2011 أنه بادر من تلقاء نفسه بزيارة تونس في شهر ماي الماضي و عاد من هذه الزيارة لينجز عددا خاصا من مجلة إبداع التي يرأس تحريرها الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي حول تونس الثورة و الإبداع و على امتداد 200 صفحة قدم للقارئ العربي تجليات الثورة التونسية ما أحدثته الأصداء في نفوس المبدعين التونسيين سواء المقيمين منهم على أرض تونس أو الذين يقيمون في المهاجر مثل أبو البكر العيادي الروائي التونسي الذي كانت تمنع رواياته في تونس في عهد بن علي. و عن ثورة تونس نموذجا يقول الأستاذ الهادي الغابري في محاضرته إن الثورة هي نتاج لإرادة فردية شجاعة و مسؤولة قنصت اللحظة التاريخية المناسبة لتحترق لغاية إشعاع نور الحرية في مناطق العتمة التي يسودها الاستبداد و تمتهن فيها الكرامة الإنسانية و قد كان إشعاع هذه الإرادة الفردية جذابا تعبويا و سحريا تحلقت حوله حلقات المهمشين فأصبحت الإرادة الفردية جماعية و لم تكن حالة معزولة ذاتية كما روج لها النظام البائد أو كما يروج لها أعداء الثورة الآن فالإرادة الفردية ولادة للإرادة الجماعية في هذا المكان العبقري قد طالها الحصار في الحياة و في الممات أيضا و هو حصار المفقود بهدف وأد المشروع الثوري الناري و من ثمة سرقة أهدافه و الحال أن الثورة لم تكتمل بعد إذ تم تطويقها و الالتفاف عليها و باتت كطيف مر عابرا من هنا ليحط رحاله بمصر و ليبيا و اليمن و سوريا و بقاع أخرى في العالم.