عدنان بالحاج عمر أحد الوجوه السياسية التي نشطت طويلا في الساحة كان واحدا من الوجوه البارزة في حزب الوحدة الشعبية، الحزب الذي قاده والده طيلة سنوات اطلع بحكم موقعه على الكثير من الخفايا وكان قريبا من أسرار وحكايات المجالس السياسية، «الشروق» التقته في حديث عن النهضة واليسار وحزب فرنسا والوضع السياسي العام. هل تبدو لك الآفاق رحبة بالنسبة لتونس في الوضع الحالي؟ نحن في وضعية وقتية وانتقالية والاستقرار العام لم نبلغه بعد. لكن أنا أؤمن بمقولة ڤرامشي لمّا يتحدث عن تشاؤم الذكاء وتفاؤل العلم. لذا فإني أعتبر بكامل الوضوح ان المطلوب هو العمل لكل الأطراف مهما كانت طبيعتها ومواقعها، سياسية واقتصادية، مجتمع مدني ونقابات. كما يجب ان تصان حرية التعبير لأنها المكسب الثابت الى حد الآن، واذا وقع المساس به فسيخيّم على تونس من جديد كابوس الانغلاق وهدر الحريات. والبقية يعرفها الخاص والعام.يجب أن نوفق بين حرية الرأي وخاصة التعبير، وبين ما جاء في مقولة عمر ابن الخطاب لما ذكر ان الأيدي خُلقت لتعمل، فإن لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصية أعمالا. خلاصة القول هي أن الآفاق ستصبح رحبة بعدما تنقشع سحب اللخبطة وعدم الاستقرار. لا يجب ان نوصف يوما بل لحظة بأننا بلد في طريق التخلّف، لأن آنذاك ستكون الطامة الكبرى. هل تعرضت أنت شخصيا الى مظلمة؟ تعرضت الى مظالم لكنها لا تضاهي ما تكبّدته جحافل المضطهدين. مظلمتي متواصلة والأمر بها هو الرئيس السابق شخصيا ولأسباب سياسية. على كل المسألة سيتولاها القضاء ولا أريد الخوض فيها لأن هنك ما أهم بالنسبة لقرّاء الصحيفة الأكثر انتشارا في تونس، كما تقول دار الأنوار. هل مازالت تنتمي الى الفكر الاشتراكي؟ لا، وقد نشرت مقالا طويلا في الشأن منذ سنوات على يومية أخرى، شرحت فيها خياري وبيّنت فيها أني لم أعد اشتراكيا بالمفهوم المتعارف عليه في تونس، وأن تصوراتي أخذت منحى آخر يمكن نعته بالوطني الاجتماعي. في بلادنا يتحدثون عن وسطية ووسطية شمال ويسار بدون تدقيق. في معجميات السياسة في العالم هناك مفهوم عنوانه ليبراليو اليسار les libéraux de gauche ذلك هو خياري. لو لم تكن ابنه كيف كنت تُعرّف محمد بالحاج عمر؟ أنا ابنه وتعريفي له لن يخرج عن هذا الواقع الذي افتخر به. هو مهندس زراعي عارف جدا بموسوعات الفلاحة، ولكنه خاصة مناضل وطني نقابي طلابي وعمالي، ثم سياسي. عرف السجون وعاش مخابر التعذيب في زنزانات الداخلية سنة 1977 هنا على مرمى حجر من مقرّكم، قبل ان يحال ومجموعة من الرجال البررة على محكمة أمن الدولة حيث نال سنتين سجنا، قضى منهما ستة أشهر في زنزانة انفرادية. لكن ما هو أهم من هذا كلّه هو أنه صاحب يدين نظيفتين، الشيء الذي جعله محل صداقة متينة و«عشرة» المئات من الرجال والنساء. جبل بحاله ذلك هو أبي أحب من أحبّ وكره من كره. يقولون أنك «متفرنس» نسبة الى فرنسا والفرنسية! غريب ان يقال هذا وأنا أعرف أن الامر صحيح لمجرد ان لي أصدقاء فرنسيين من جيلي عرفتهم لمّا كنت طالبا هناك والمسيّسون منهم عملت معهم عند بعث منظمة SOS Racisme المناهضة للعنصرية. لا يا صديقي أنا أقدّر في فرنسا جانبا من حضارتها وكونها أرض اللجوء ومهد الديمقراطية. أما العربية فهي لغتي وعرقي وحُبّي للمعهد الصادقي الذي زاولت فيه كل تعليمي الثانوي ولكن حتى الابتدائي أيضا لأن هذا المعهد يحتوي فرعا للابتدائي. ثم أني نشرت سنة 1995 كتابا بالعربية عنوانه «كلام في السياسة»، أنا زرت الجزائر والمغرب وليبيا والعراق ولبنان وسوريا والاردن. وكنت دوما مرفوقا بإخوة عرب في جو مفعم بالأصالة العروبية. كانت لك زيارة سياسية الى أمريكا على ما أذكر... سياسية كلمة كبيرة، زرت في أكثر من مرة الولاياتالمتحدةالامريكية في اطار مهني وفي اطار مسيّس هو الدعوات التي توجهها الخارجية الأمريكية لإطارات سياسية واعلامية وغيرها في اطار برنامج دولي معروف، وكان ذلك خلال شهر أكتوبر 1995. ما هي قصتك في أوائل التسعينات مع حمّة الهمامي؟ المسألة على بساطة أن بن علي ووزيره للداخلية عبد ا^& القلال قرّوا قمع المناضل العمّالي الشيوعي حمّة الهمامي. وربما تخيّلوا أني سأكون شاهد زور في عملية دنيئة وقعت «فبركتُها» له. لكني دحضت ذلك خلال البحث لدى الأمن ثم أمام المحكمة، وكانوا مجبرين على اطلاق سراحه. ليس في المسألة بطولية بل مجرد رجولية. وللأمانة أريد أن أحيّي عميد المحامين في تلك الفترة الأستاذ منصور الشفّي الذي تجنّدت هيئته آنذاك لهذه القضية الملفقة ومواجهة جُورها. هل تتابع الشأن النقابي عن كثب؟ وهل يمكن لمسيّس تونسي أن لا يهتم بذلك وتونس بها منظمة نقابية عتيدة ولها إسهامات وطنية واجتماعية كبيرة ومنها حتى الخالد وهي الإتحاد العام التونسي للشغل. ما رأيك في الأمين العام الجديد حسين العباسي؟ عرفته في إطار هيئة ولجان تتحدث عن السياسة الاجتماعية أعتبر أنه مناضل نقابي مخضرم وهو من جيل الصاعدين بعرق الجبين ولا بالمحاباة، له تصورات للنهوض بالعمل النقابي واعطاءه منحى يتامشى مع مقتضيات الوضع الجديد في تونس وأعتقد أنه سيتعامل مع مساعديه في المكتب التنفيذي لا بمنطق الأبوية لأنهم يقاربون بعضهم السن بل بمنطق العمل الجماعي له فكرة سمعته يعبر عنها على موجات الأثير وهي هامة وستكون فعالة لو وقع وضعها حيز التطبيق وهي تتمثل في أن تتم صياغة نوع من العقد مع منظمة الأعراف الأكثر تمثيلا أي إتحاد الصناعة والتجارة وتتم مباشرة الملفات بين الطرفين بالنسبة طبعا للقطاع الخاص ولا تتدخل الدولة إلا عند استحالة التوصل إلى حل في موضوع ما هذه الفكرة ممتازة وهي تمثل تمشيا ناجعا ومفيدا ألخصه بعبارة التشاركية المربحة. هل تعتبر أن مرحلة «جراد» كانت إيجابية؟ أنا أحترم سي عبد السلام وأعي ما أقول حيث أني خضت ثلاث دورات مفاوضات إجتماعية في فترته وكانت كلها إيجابية بالنسبة للعمال والأعوان والإطارات المعنية عبد السلام جراد أشرف على الإتحاد في مرحلة صعبة ودقيقة، كان لا بد أن يناور لحفظ دور وتأثير المركزية النقابية وأظن بموضوعية كاملة أنه توفق إلى حدّ مهم في ذلك ما أفرزه المؤتمر الأخير للإتحاد بطبرقة يبيّن أن عبد السلام جراد عرف من أين تؤكل الكتف كما يقال. هل تعتبر أن ظاهرة الإعتصامات وراءها الإتحاد وهل هي ظاهرة صحيّة؟ هناك شيئين مختلفين الإعتصامات العشوائية التي هي وأزن كلامي تحمّر الإقتصاد وتدخل تحت سقف العبث عن وعي أو عن لا وعي بطبيعة الحال لا يمكن لعاقل يعي أبجديات الأمر الاقتصادي أن يحبذها أو يناصها وهناك من ناحية أخرى مطالب مشروعة ومقننة أنا أعتقد أن إتحاد الشغل يحملها ويرعاها هذا مع أني أرى أن كلمة «هدنة» هي العبارة التي يستوجب فعلا أن تكون عنوانا وشعارا للمرحلة الحالية فالهدنة هي نوع من الإستراحة عن المطلبية المشطة حتى ترجع الأمور إلى نصابها قبل أن تزيد المصائب إستفحالا كنت مؤخرا بقابس وقبلها زرت جندوبة في إطار مهني ورأيت أشياء ما نزل الله بها من سلطان تواصل الأمور بهذا النسق شيء خطير لأن الأوراق ستختلط والخنادق ستتداخل والمؤامرات ستمرّ ولا يمكن إستساغة ذلك من طرف تونسي عاقل خاصة إذا كان سياسيا أو حتى مسيّسا فقط. إن كل ما نشهده زيادة إلى أنه إضرار بالإقتصاد فهو يساهم في خلق وتغذية عقلية التواكل والإتكال، ويخلق سابقة في التلاعب بهيبة الدولة اليوم النهضة وغدا طرفا آخر آجلا أم عاجلا. ما رأيك في قيادات النهضة؟ إذا طرحت عليّ السؤال بهاته الطريقة، فمعناه أنك تستبطن شيئا لا بأس أنا أعتبر أن حركة النهضة لها عناصر قيادية من نوع خاص، لها التجربة النضالية والزاد الكبير في العمل الميداني كما أنها ليست فاقدة لدهاء سياسي وطاقة كبيرة على المناورة وربما كان ذلك من جملة الأسباب التي تجعل أمر تواجد القوة السياسية المعارضة والمؤهلة لإفراز التوازن مسألة حيوية وأساسية وهو ما يستوجب بدوره التعويل على عناصر كثيرة من حيث الكمّ وقديرة من حيث الكيف، وهذا على مستوى القيادات المركزية وذلك ما يسمى بقيادات الصف الثاني. أو الإطارات المشعة جهويا وأصحاب الكفاءات دور الإطارات الميدانية شيء أساسي. يقولون أنك معجب بأحمد نجيب الشابي ماذا حول هذا؟ « بعد ضحكة تعني الكثير» لن أراوغك بل أقرّ بأني أحترك كثيرا نجيب الشابي منذ حوالي عشرين سنة خلت وبالتحديد منذ ديسمبر 1991.هذا السياسي هو من القلائل الذين يمتلكون حسّا سياسيا ممزوجا بثقافة سياسية وهو من الذين يتجاسرون على أشياء يهابها أبناء جيله ومن جاء بعد ذلك الجيل من الذين يواصلون العمل السياسي كما أنه يمثل في تقديري نضالات المتعاقبين من المناضلين التقدميين والمناضلين السياسيين المضطهدين عموما وأحسن شاهد على ذلك قدماء النهضة الذين من ضمنهم من اعترف بذلك على رؤوس الملإ منصف بن سالم مثلا آخر من صرح بهذا.