هل كان علي لعريض وزير الداخلية ضحية ما أقدم عليه مؤخرا من اقالات وتعيينات لمسؤولين أمنيين سامين في الوزارة التي يشرف على تسييرها؟ قد يكون هذا السؤال فاتحة للحديث مجددا عن الصراع السياسي الحزبي بين حركة النهضة وخصومها. صراع انحرف عن مساره العادي ليتخذ اشكالا أخرى تعتمد المقولة الميكيافيلية المتوحشة «كل الوسائل متاحة وممكنة للوصول الى الغاية». هكذا انتقل الصراع بين الأحزاب السياسية التونسية من تنافس على البرامج والأفكار والبدائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الى صراع على شبكة الفايسبوك بوسائل أقل ما يقال عنها انها «قذرة» فترويج الفيديو المشين لوزير الداخلية في وضعية مخجلة في هذا الوقت بالذات بعد مضي أسبوع على قرار اتخذه الوزير أقال بمقتضاه مجموعة من المديرين العامين والمديرين الأمنيين. بغض النظر عن مدى صدقية «الفيديو» المخجل أو فبركته فإن لجوء بعض خصوم النهضة الى اعتماد مثل هذه الأساليب ينبئ ببداية مرحلة انحدار خطيرة للصراع والتنافس. بعض العارفين بالشأن الأمني كشفوا عن حقائق مثيرة حول ما حدث على شبكة الفايسبوك يوم أمس الأول منها أن تسجيل الفيديو للسيد علي لعريض رفقة سجين مثلي في المركز الصحي للسجن في بداية التسعينات كان جاهزا للاستخدام والترويج قبل قدومه الى وزارة الداخلية بأيام قليلة بعد الاعلان عن التركيبة النهائية للحكومة. ضربة موجعة وتوقف قرار ترويج «الفيديو» على الخطوات الاصلاحية التي ينوي وزير الداخلية القيام بها أو عمليات «التطهير» التي قد يقدم عليها، فكان بث «الفيديو» ضربة موجعة للوزير ولحركة النهضة ردا على أول خطوة قام بها في برنامجه الاصلاحي. لست من أنصار النهضة ولا من المدافعين عنها لكن منطق الأحداث يفترض جدلا المضي بالتحليل الى مداه الاقصى، فما وقع أمس على شبكة الفايسبوك قد يكون أعاد المؤسسة الأمنية الى مربع الاتهام فالتعاليق التي انهالت على الأمن والصور المرفوقة بنصوص متشنجة أكدت أن شباب النهضة وأنصارها لن يدخروا جهدا في شن حرب افتراضية على الأمن بعد ان كادت المنظومة الأمنية تستعيد ثقة الشارع التونسي وهي حرب لم تبدأ في الأصل عقب نشر الفيديو المشين، بل انطلقت في مستهل الأسبوع الماضي حين جيشت حركة النهضة أنصارها وبعض أعضائها في المجلس التأسيسي للوقوف أمام مبنى وزارة الداخلية احتجاجا على وقفة احتجاجية كان أعوان وحدات التدخل ينوون القيام بها. أشكال جديدة للصراع وقد شكلت هذه الحادثة منعرجا في أساليب تعامل النهضة مع خصومها والناقدين لوزرائها في حكومة السيد حمادي الجبالي فانتقلت من الردود الهادئة التي لوحظت خلال الجلسات العامة الأولى للمجلس التأسيسي والاحجام عن استخدام الردود الحادة أو المقذعة الى النزول الى الشارع ومحاربة خصومها بنفس الأساليب التي يواجهونها بها. غير أن حركة النهضة قد تكون ارتكبت بعض الأخطاء في التعامل مع وسائل الاعلام والاتصال حين شرع قياديوها ومسؤولوها في التلويح بسيل من الانتقادات والاتهامات للاعلام والاعلاميين. وبرزت أخطاؤها بشكل جلي بعد نشر التصريح المصور لوزير الداخلية ردا على ما أثير من لغط حول الاقالات التي أقدم عليها في وزارته على أحد المواقع النهضوية في محاولة لابلاغ رسالة الى الاعلاميين بأنها غير راضية على الأداء الاعلامي، لكنها اضطرت أمس الى التعاطي مع الاعلام الوطني لخوض معركتها مع الخصوم. سيكون تعاطي النهضة مع خصومها في الأيام القادمة ضاريا وشرسا بلا شك، فالخصوم كما أخبرت بذلك بعض المواقع الالكترونية يعدون لضربات أخرى موجعة لهذه الحركة التي تحبس أنفاسها لمواجهة وضع اجتماعي معقد ونظام اقتصادي مهدد بالتدهور.