«اسمنت قرطاج» تسمية تحمل في طياتها بصمات «بلحسن الطرابلسي» الذي أطلق اسم قرطاج على كل ما أنشأه من مؤسسات سواء في مجال الفندقة أو شركات الطيران، وعندما سطا على فكرة «لزهر سطا». وتجسّد ذلك أساسا في إنشاء مصنع للاسمنت في جبل الرصاص مرناق غيّر بلحسن اسم «المقاطع الكبرى للشمال» التي يمتلكها لزهر سطا منذ أكثر من 25 عاما وتشغّل المئات من عمّال المنطقة، وأصبحت تسمّى «شركة اسمنت قرطاج ونصّب بلحسن الطرابلسي نفسه رئيسا مديرا عاما لمجلس إدارتها رغم أنه لا يمتلك أغلبية رأس مالها بل له منها 15٪ أي حوالي 75 مليارا من جملة 589 مليارا، لم يدفع منها سوى 250 ألف دينار لا غير! بلحسن الطرابلسي عندما أصبح الرئيس المدير العام لإسمنت قرطاج مستغلا في ذلك نفوذه الواسع، بدا يقصي شيئا فشيئا المسؤولين وأتى بموظفين محسوبين عليه، من ضمنهم كما تقول بعض المصادر بالشركة المتصرف العدلي الحالي الذي اشتغل، وفقا للمصادر، ذاتها ضمن شركات «بلحسن الطرابلسي» على غرار شركة «فورد». وعندما جاءت الثورة وصادرت الدولة نصيب بلحسن الطرابلسي في الشركة وضعت متصرفا قضائيا في شخص السيد «حاتم قربوج» وقد تمّ تعيينه في خطته في شهر مارس 2011 وكان في حقيقة الأمر يشتغل في شركة اسمنت قرطاج. خطة منسق عام (مدير عام مساعد) منذ أفريل 2009 وهو كما أسلفنا يشتغل مع بلحسن الطرابلسي وهو مسؤول عن كل هياكل التصرف في الشركة منذ هذا التعيين. آخر ما ظهر في شركة اسمنت قرطاج وأحدث بلبلة في صفوف العاملين بها هو عملية سرقة مبلغ 520 مليون دينار قام من خلالها أحد المنتسبين لإدارة الحسابيات في الشركة الاستفادة من 32 كنبيالة مسحوبة لفائدته من حساب الشركة في بنك الاسكان. وتقول المعلومات إن أحد موظفي بنك الاسكان شك في العملية واتصل بإدارة الشركة وحينئذ بادر السيد خالد المطماطي بمغادرة أرض الوطن الى احدى البلاد الأوروبية بعد أن لهف أكثر من نصف مليار. الغريب في الأمر أن عمليات السرقة وقع نصفها تقريبا قبل الثورة أي منذ عام 2009، ووقعت السرقات الباقية بعد الثورة أي بعد تسلّم المتصرف القضائي مهمته في مارس الماضي..! وهو ما يطرح سؤالا كبيرا حول جدوى المتصرفين القضائيين الذين تمّ وضعهم على رأس التصرف الاداري والمالي في الشركات المصادرة بعد الثورة وكيف لا يمكن التفطّن الى مثل مدة السرقات إلا بعد قيام البنك المعني بإعلام الادارة. ومن جهة أخرى فإن المطلع على سير أشغال المشروع في جبل الرصاص يلاحظ باستغراب ما يتناقله عمال الموقع من عمليات سرقة واسعة متكرّرة رغم عدد أعوان الحراسة هناك والذين يقال إن عددهم فاق المائة حارس ومكلف بالسلامة، ومن ذلك أنه تمّت سرقة «Porte char» وهو عبارة عن شاحنة ثقيلة مخصصة لحمل الآليات الثقيلة، بالاضافة الى سرقات مختلفة أخرى على غرار «marteau piqueur» وتجهيزات أخرى مختلفة، ورغم قيام المسؤولين في موقع المصنع بإعلام الادارة المركزية للشركة فإنه لم تقع متابعة جدية لهذه السرقات المتكررة. العاملون في شركة «اسمنت قرطاج» يؤكدون أنه لم يحدث من قبل مثل هذه التجاوزات والسرقات قبل مجيء عصابة بلحسن في مرحلة أولى، وبعد وضع الشركة تحت سلطة المتصرف القضائي، وأن رفع يد المالك الأصلي «لزهر سطا» عن كل تصرف في الشركة التي هي في الأصل ملكه وأسسها قبل أكثر من ربع قرن، ساهم بدرجة كبيرة في تفشي الفوضى والفساد في الشركة، وطالب العديد من عمال الشركة بوضع حدّ لهذا التسيب ومراجعة الاجراء المتخذ ضد صاحب الشركة وإعادة المقاليد إليه خاصة وأنه لا ناقة له ولا جمل في استيلاء بلحسن الطرابلسي على الشركة رغم ضآلة نصيبه في رأس المال ودخوله كشريك بقوة النفوذ في زمن لم يكن أحد قادرا على الوقوف في وجه بن علي وأصهاره. وإن وضعية «اسمنت قرطاج» تدعو فعلا الى القلق بعد اكتشاف السرقة الأخيرة التي ربما تختفي وراءها سرقات أخرى لم يتم كشفها بعد، وهو ما يستدعي تدخل الفرقة الاقتصادية ذات النظر لإجراء تحقيق شامل في ما يجري في أموال هذه الشركة وكشف ملابسات الفساد المالي الذي قد تكشف التحريات المزيد منه لإنقاذ هذه الشركة التي لا تمثل فقط مصدرا هاما لإنتاج مادة الاسمنت، بل وأيضا تمثل مصدرا هاما لتشغيل اليد العاملة في وقت يمثل التشغيل هاجسا كبيرا في البلاد ولابدّ أيضا من مراجعة شاملة لحالات المصادرة التي شملت شركات على ملك رؤوس أموال وطنية لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا ضحايا لتسلّط رموز النظام البائد ودخلوا مع هؤلاء المتنفّذين في شراكة قسرية هي أقرب الى البلطجة والسّطو.