تبدو علاقة الحكومة بالمعارضة سواء منها الممثلة داخل المجلس التأسيسي او خارجه متوترة الى درجة تبادل الاتهامات سواء بالعجز عن تحقيق أهداف الثورة وتلبية المطالب الملحة للشعب أم بالسعي إلى تأجيج فتيل الاحتجاجات والتشجيع على الاعتصامات وبث الفوضى... فهل ان الوضعية الحالية للبلاد تسمح بوجود معارضة لحكومة لا تتجاوز مدتها السنة وبعض الأشهر كحد اقصى وهل دور المعارضة في مثل هذا الظرف البحث والمساعدة على ايجاد الحلول أم التشفي في الأحزاب الحاكمة ثم هل هناك من يملك عصا سحرية تمكنه من المسح الشامل لكل المطالب والمشاغل والمشاكل والقضاء عليها بقدرة قادر؟ مجمل هذه التساؤلات حملناها الى بعض السياسيين المستقلين غير المعنيين مباشرة بما يحدث حاليا من تجاذبات. وحدة وطنية وعلاقة متوترة يقول السيد رضوان المصمودي وهو ناشط سياسي انه كان يحبذ تكوين حكومة وحدة وطنية تجمع كل التيارات السياسية لخدمة أهداف الثورة والاستجابة للمطالب الملحة حتى ينكب المجلس التأسيسي على كتابة الدستور اما عن رأيه في العلاقة القائمة بين طرفي الحكم والمعارضة فيقول « هذه المرحلة الانتقالية غير كافية لوجود حكومة تحكم و معارضة تعارض فمدة سنة غير كافية لهذه الثنائية وكنت أخير المواصلة بنفس العقلية التي كانت سائدة داخل الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة من اجل تطور البلاد وانقاذ الاقتصاد الوطني على ان نمر بعد الانتهاء من كتابة الدستور وإجراء الانتخابات الى ثنائية الحكومة والمعارضة تماشيا مع النظام الديمقراطي. السيد رضوان المصمودي اكد ان البعض لا يفرق بين مصلحة البلاد والمصلحة الحزبية والسعي إلى إسقاط حكومة النهضة فالحكومة الحالية بما هو مطروح امامها ليست لاحكومة النهضة ولا اي طرف آخر وبالتالي كما يقول يجب وضع المصلحة العليا فوق كل الاعتبارات فالظرف الصعب لا يحتمل الصراعات الحزبية بل يتطلب وحدة وطنية. من جهته بين السيد محسن مرزوق أن العلاقة بين الحكومة والمعارضة هي علاقة شد وجذب في حين أن الفترات التأسيسية مثل الفترة الحالية تقوم على توافق وطني لا على الحسابات السياسية ثم قال « لا أستطيع أن احمل المعارضة مسؤولية هذا التوتر لأن الائتلاف الحاكم فرض هذا المنطق فلم يعرض مثلا برنامج الحكومة على النقاش حتى يمكن الوصول إلى أكبر ما يمكن من التوافق حوله بدعوى ضيق الوقت». المسألة غير منتهية وأضاف السيد محسن مرزوق «الآن تأكد أن منطق الأغلبية والأقلية له شرعية انتخابية ويفتقر إلى منطق المشروعية والتوافق غير أن المسألة غير منتهية أو قضيت فمازال هناك امكانية للعودة إلى الحوار خارج المجلس التأسيسي وخلق توافق بين الأحزاب حول اولويات العمل الحكومي». وفي ما يتعلق بتغيير الحكومة كما طرحه البعض يقول محدثنا « ليس المشكل في تغيير الحكومة فالبرنامج هو الأهم على أن يقره المجلس التاسيسي كمرجعية شرعية وبهذه الطريقة يتحقق المطلوب الأدنى المتفق عليه ولا بأس من الاختلاف كما أدعو وزراء الحكومة المنتمين إلى الترويكا إلى النأي بأنفسهم عن الجدل السياسي باعتباره ليس من دورهم مثل التعليق على رسالة قايد السبسي الموجهة أساسا إلى المجلس التاسيسي ولم توجه إلى وزارة معينة ولعله كان من الأجدى أن تترك أحزاب الأغلبية البعض من قادتها خارج الحكومة للتفرغ للعمل الحزبي وفي كل الحالات هناك امكانية تدارك بالحوار والتوافق وهما السبيل الوحيد لذلك. ظاهرة صحية يقول السيد جمال مارس رئيس الجمعية التونسية للمواطنة والعدالة الانتقالية والناطق الرسمي باسم المجلس المحلي للثورة. أولا اريد ان اؤكد ان ظاهرة المعارضة السياسية هي ظاهرة صحية بل ضرورية في كل مجتمع ديمقراطي او ينشد الديمقراطية باعتبارها مؤسسة سياسية تقوم بدور المتابع والمراقب لأفعال القائمين على السلطات الثلاث أو إحداها، بحسب نظام الحكم، وتحاكمه معنوياً أو فعلياً على مدى التزامه بالمصلحة العليا للبلاد. ثانيا معارضة الحكومة الحالية او «تحالف الترويكا» لها ما يبررها على ارض الواقع سواء بالرجوع الى هذا التحالف في حد ذاته أم إلى الاخطاء التي ارتكبتها الحكومة الحالية. حكومة تكنوقراط ومحايدين كما يقول محدثنا «وما يمكن مؤاخذته على الحكومة في هذا الاطار هو عدم الإعتماد في تشكيلة الحكومة على خبراء وتكنوقراطيين محايدين وكان هذا الخيار يمكن ان يجنب التجاذبات الحزبية والصراعات الإيديولوجية والمصلحية التي يمكن أن يؤدي تصاعدها إلى نفق مظلم لا يلوح فيه الا اجهاض المسار الديمقراطي» . أي دور للمعارضة ؟ يقول السيد جمال «قبل الاجابة عن هذا السؤال يتوجب الاجابة عن سؤال مبدئي وهو ممن تتشكل جبهة المعارضة؟ في رأيي ان الجبهة المضادة للحكومة تتكون من عدة اطراف ربما غير متجانسة ولكنها تلتقي في تبني جبهة معارضة حركة النهضة لا كحكومة ولا كحزب بالدرجة الاولى وانما كظاهرة تتصدر مشروع الإسلام السياسي وتتميز بازدواجية الخطاب وتتبنى اجندا سياسية تتناقض مع المشروع الديمقراطي الحداثي. ولئن كان المبدأ انه لا احد يمكن ان ينكر على المعارضة معارضتها باعتبار انه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية والحرية في غياب توازن ضروري بين من يحكم ومن يراقب فضلا عن حرية كل طرف في التعبير بما يراه مناسبا عن مواقفه وارائه ضمن قوانين ونواميس وتقاليد تؤطر هذه الحرية وبضرورة التحلي بالمسؤولية والمصداقية التي من شأنها ان تؤسس فعليا لبناء الإنتقال الديمقراطي، غير ان هذه المعارضة يجب ان تبقى في اطار ضوابط المصلحة الوطنية العليا.» هل أخطأت المعارضة؟ يضيف جمال مارس «وفي رأينا، ومع رفض الموقف الذي يقوم على شيطنة المعارضة او اعتمادها كشماعة لتعليق الفشل، فإن المعارضة الحالية لم تكن معصومة من بعض الاخطاء والمؤاخذات خاصة بالنسبة إلى بعض التيارات التي عرفت بعدائها الشديد للتيارات الاسلامية وتوظيف وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة عامة وخاصة في إثارة أصحاب الطلبات الإجتماعية وتبنيها ومطالبة الحكومة للاستجابة لها فورا وتحفيز المحتجين على اعتماد كل الطرق للضغط على الحكومة والوقوف عند حجج ان الحكومة لم تحقق شيئا ملموسا على الأرض.وكما انه من حق المعارضة الحالية التفكير من الان في الاستحقاقات الانتخابية القادمة فإن ذلك يجب ان يتم مع اعتماد أسلوب يراعي تقاليد الصراع الديمقراطي المتعارف عليها بما يساهم في ترسيخ قيم ثقافة الاختلاف التي مازلنا نفتقدها في محيطنا السياسي. ففي غياب مثل هذه الثقافة السياسية فإن الامر سيدفع الجميع نحو دكتاتورية جديدة مجهولة العواقب.