حكومة "سياسية" قوية دون أن تكون محل "أخذ ورد" عبر الكثير من المتتبعين والمهتمين بالشأن السياسي عن دعمهم لفكرة أن تكون هناك حكومة خبراء لتسيير دواليب الدولة وتصريف شؤون البلاد الى حين انتهاء من إعداد دستور.. اتصلنا بالدكتور حمودة بن سلامة، الوزير السابق، وأحد مؤسسي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وأحد قيادات حركة الديمقراطيين الاشتراكيين خلال فترة الثمانينات الذي أكّد أنه على العكس يرى أن البلاد تحتاج اليوم الى حكومة سياسية قوية بالنظر إلى الملفات المطروحة والتي تحتاج الى قرارات سياسية.. في البداية استهل د. حمودة بن سلامة حديثه بالقول:»لعل السؤال المطروح والصعب في الآن ذاته هو كيف نمكّن طرفا سياسيا من التسييرالحكومي ومن القيام بدوره التنفيذي الهام في تسييردواليب الدولة دون شبهة «التغوّل» أو الانفراد بالرأي..فالنهضة وحسب تصريحاتها التي سبقت الإعلان على النتائج فإنها تؤكّد أنها حتى وان فازت بأغلبية مقاعد التأسيسي ووصلت الى السلطة فانها لا تنوي الانفراد بالقرارالسياسي؛ وبعد الانتخابات حصلت النهضة على أغلبية المقاعد و سعت الى التحالف والائتلاف مع أحزاب أخرى مثل» المؤتمر» و»التكتّل» وهذا أدّى الى بروز ائتلاف (مهيمن) بين قوسين داخل المجلس التأسيسي رغم أن هذا الائتلاف لا ينسجم ايديولوجيا ولا يتشابه من حيث المرجعيات وهذا في حدّ ذاته يعتبر نقطة ايجابية تبرز تفاعل الحزب الفائز في الانتخابات مع بقية القوى والتيارات السياسية؛ وعلى خلاف ما يشاع فإني أعتقد أن حليفي النهضة حافظا على شخصيتهما المستقلة وهذا مؤشرإيجابي على جدية ونجاعة العمل السياسي والحزبي خاصّة ذلك الذي وصل الى مستوى محترم من النضج..» البلاد لها مصلحة في «حكومة سياسية» وحول ما تداول من أخبار تتعلّق بهذا الائتلاف وتصبّ في خانة الأغلبية المهيمنة أكّد حمودة بن سلامة أن النهضة لم تسع للتحالف مع هذه الأحزاب بغاية تحقيق الأغلبية . ويقول: «النهضة أعطتها صناديق الاقتراع الأغلبية المرجوة فحسابيا الأغلبية العددية عندها..لكن هي سعت للتحالف في سياق عملها لإرسال رسائل طمأنة للداخل والخارج وهذا طبعا دون أن ننسى أن «المؤتمر» و»التكتل» ربحا تكتيكيا من دخولهما ائتلاف تقوده «النهضة» لأن ذلك سيجعلهما في صف الأغلبية ..» وحول القانون المتعلّق بتزكية الحكومة أو سحب الثقة منها بنسبة يرى البعض أنها قد لا تضمن استقرارهذه الحكومة المرتقب تشكيلها يقول حمودة بن سلامة : «في الحقيقة للبلاد مصلحة في أن تكون «الحكومة سياسية» قوية رغم احتدام النقاش حول «حكومة تنكنوقراط «أو «حكومة سياسية» وأنا شخصيا أحبّذ «حكومة سياسية» لأن هذا ما أراه مناسبا في هذه المرحلة؛ فالملفات العاجلة المطروحة هي ملفات سياسية بامتياز كالملف الأمني أو السياحي الذي ينبغي حلهما بقرارات سياسية. وعموما إن البلاد بحاجة الى سلطة قوية وبأغلبية وبالتالي الأغلبية يلزمها وضع نصب أعينها المصلحة العامة في الواجبات على حساب المصلحة الحزبية الضيقة. فمن حيث النجاعة لا يمكن أن ترضي كل الأطراف فهناك مصلحة عليا.. ينبغي أن تكون الحكومة قوية وألا تكون محل أخذ وردّ..خاصة أن النهضة مصرّة استراتيجيا أن لا تخفق وحتى الأطراف الأخرى لها أجندات وخيارات طالما بقيت مصرّة أن تبقى معها. وأنا لا أخشى من عدم الاستقرار الحكومي لأن الاسلاميين وعموما «الترويكا» الحالية لها أغلبية مريحة والمعارضة بتركيبتها الحالية فانها لا يمكن أن تشكّل تهديدا على الاستقرارالحكومي.. ومع ذلك فأنا أعتقد أنه لا بدّ من وجود توافق بين مختلف القوى السياسية .
فتحي العيوني النهضة لها الأغلبية وليست مطالبة بتقديم تنازلات الناشط السياسي هو الأقدر على فهم استراتيجيات بقية السياسيين و»مراوغاتهم» وقراءتهم الذاتية للسياق العام ومن ثمة اتخاذ القرارات التي تخدم اجنداتهم الحزبية والسياسية ..ولذلك اتصلنا بالأستاذ فتحي العيوني الناشط السياسي الذي يرى أن الأغلبية عندما تقدّم المصلحة العليا على الترضيات فإنها تضمن الاستقرار.. في مستهل حديثه معنا يقول الأستاذ العيوني :»يجب توفير ضمانات لاستقرار الحكومة في مناخ من الأريحية يضمن لها تنفيذ برامجها ورؤاها القطاعية المستقبلية دون «تهديد» لوجودها مع أوّل موقف قد لا يستسيغه البعض؛ فالأغلبية المريحة هي وحدها الكفيلة بضمان استقرارالعمل الحكومي لذلك أنا كنت من مؤيدي الرأي القائل بسحب الثقة بأغلبية ثلثي المجلس التأسيسي وذلك لسبب بسيط هو كوننا في وضع استثنائي لا يقبل مزيدا من التذبذب والاضطراب ..» إعادة الثقة للمواطن.. يضيف الأستاذ العيوني: «ولا بدّ أن نشيرهنا الى أنه عندما سقط النظام وسحبت الشرعية على جميع مؤسسات الدولة وأصبحت ليس هناك الاّ شرعية الشارع الذي يتحكّم في الوضع السياسي وحتى حكومة الباجي قائد السبسي فقد كانت حكومة غير شرعية لأن الشعب لم يخترها ولكن بحنكة سياسية عالية من الوزيرالأوّل استطاع أن يجعل الشعب يتوافق مع تصوراته واستطاع الى حدّ ما تصريف الشؤون العاجلة والمستعجلة للدولة.. ونحن في هذه الأيام نشهد حالة غير مسبوقة من غياب روح المسؤولية لدى بعض المدراء والمسؤولين؛ فالكل يخشى تحمّل مسؤولية أي قرار إداري مهما كانت بساطته ؛ فما بالك بالقرارالسياسي الذي ستترتّب عنه تبعات تمسّ كل البلاد وبالتالي لنتخيّل حكومة تكون مهددة في أي لحظة بسحب الثقة منها ماذا ستفعل وكيف ستتصرّف؟ وما هي فرص النجاعة في أدائها؟...طبعا. هذا لا يثير إشكالا في الدول المتعودة على الديمقراطية، فبلجيكا بقيت أكثر من 500 يوم من دون حكومة ورغم ذلك استمرت مؤسسات الدولة في العمل .أما نحن و في هذه الفترة فكل المسؤولين يتملصون من اتخاذ القرارات بدعوى أنهم غير «شرعيين»..وبما أنّنا مازلنا حديثي العهد بالديمقراطية فالنجاعة في اعتقادي لن تتحقق الاّ بالتصويت بالثلثين لسحب الثقة..» وبسؤالنا للأستاذ العيوني عن الوضع السياسي الحالي الذي يبدو فيه الاختلاف سيّد جلسات المجلس التأسيسي أكّد محدثنابالقول: «إن الأطراف الذين انهزموا في العملية الانتخابية لم «يهضموا» نجاح «النهضة» في الحصول على أغلب المقاعد واختاروا تصيّد أخطائها ..مترصّدين حركاتها وسكناتها.. وهنا فإني أعيب في الحقيقة على النهضة في مسألة هامة. إن الحركة كحزب فائز في الانتخابات وبالتالي صارت لها شرعية الصندوق واستطاعت تكوين ائتلاف ثلاثي يحتكر أكثر من نصف مقاعد التأسيسي لا أفهم لماذا سعت لتقديم التنازلات وتخليها عن الثلثين لسحب الثقة من الحكومة الى نسبة 50 زائد 1 من الأصوات فحتى وان كانت تريد تقديم رسائل طمأنة واشارات إيجابية للشارع فأعتقد أن هذه الرسائل الإيجابية تكون في غير هذا المجال ويمكن أن تجد أكثر من طريق للطمأنة.. كما أكد الأستاذ العيوني:» بقدر ما أنا متحفّظ بقدرما اعتبرت الإشارات التي ابدتها النهضة ايجابية الى حدّ ما؛ فهي أرادت قطع الطريق على كل اتهام يوجّه إليها بمحاولة التغوّل واستغلال مناصب القرار وهي ارادت التأكيد أنها تمدّ يدها للجميع وبالتالي على الجميع السعي الى إرساء مناخ من الاستقرار حتى نستطيع أن نتجاوز كبوتنا الحالية.»
محمد الهنتاتي تنازل مخطط له.. والأغلبية المطلقة تخدم النهضة الأغلبية المطلقة وفي كل الحالات لا تمثّل مشكلة بالنسبة إلى النهضة ذلك ما صرّح لنا به الأستاذ محمد الهنتاتي، الناشط الحقوقي الذي اتصلنا به لمعرفة رأيه فيما يتعلّق بلائحة اللوم التي ستوجّه للحكومة بالاغلبية المطلقة ومدى تأثيرها على الاستقرارالحكومي مستقبلا..وقد وافانا بالإجابة التالية : هي استراتيجية سياسية ناجحة اعتمدتها النهضة في سياق سعيها الى طمأنة الرأي العام وارسال رسائل ايجابية للأصدقاء والخصوم على حد سواء..رغم أن كل تيار سياسي حاكم يسعى ليختلق لنفسه صلاحيات عبرالتشريعات وكل حسب امكانياته وليس بالضرورة بهدف التغوّل ولكن لكي يضع لنفسه الضمانات الكافية للنجاح في تحقيق برامجه وأهدافه..لكن وبالنظرلهذه الفترة الدقيقة والحساسة من الممكن لأي طرف سياسي حتى في إطار «الترويكا» في وضع غير مريح خاصّة في صورة ما اذا تصدّعت التحالفات.. وحركة النهضة تدرك جيّدا أن التمسّك بمواقفها وتصلّب في آرائها خاصّة مع شبهة اتهامها بالتغوّل والانفراد بالرأي سيجعلها تواجه وحدها كل مطبات واشكالات معطيات الراهن التي تبدو صعبة الحلول وتتطلّب جهدا مضاعفا وبالتالي اختارت إشراك باقي الأطراف في تحمّل أوزارالبلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى لا تضطرفي النهاية الى دفع الفاتورة لوحدها.. ولا بدّ أن نشيرأن ما يعتبره البعض تنازلا هو في الحقيقة تنازل لن يقلق النهضة كثيرا لأن الأغلبية المطلقة لا تمثّل اشكالا بالنسبة لهذا الحزب باعتبارأن وضعه داخل المجلس التأسيسي ومع امتلاكه لأكبرعدد من المقاعد زائد التحالفات يجعله في كل الأحوال يمتلك الأغلبية المطلقة.