من المفترض أن الرئيس المن صف المرزوقي، هو أدرى الناس بما يمكن أن يسببه تقرير أمني موجّه... ذلك أن ذكره في الحوار الذي خصّ به محطة «بي. بي. سي» عربي التلفزية مؤخرا من أن تقارير أمنية تصله كل يوم بصفته رئيسا للجمهورية تشير أو هي تؤكد بأن أقصى اليسار في تونس هو من يقف وراء الاعتصامات والاحتجاجات المتعددة والتي ما فتئنا نرصدها في تونس الجمهورية، ما بعد ثورة 14جانفي 2011. ما يمكن أن يستوقف المناضلين الذين كان منهم السيد المرزوقي، واكتوى بالتقارير الأمنية الموجهة، والتي نالت منه ومن حريته الفكرية والحقوقية والسياسة هو هذا التأكيد الذي قدّمه السيد المنصف المرزوقي. اذ من المفترض أن يضع الأمر محل تساؤل حتى يجعل سؤال الحيرة يتملّك الرأي العام الذي يتوجه إليه الرئيس المؤقّت عبر الحوار المذكور... الاختلاف لا يفسد للودّ قضية، هذا ما كان على السلطة الحالية والمعارضة أن تتحلى به. والحقيقة، يمكن التقديم دون مواربة أن رئيس الجمهورية مهما كان مشربه الفكري والسياسي لا يجب أن يكشف أن تقارير أمنية تصله يوميا. فما بالك والرئيس الحالي منتخب وجاء الى القصر الجمهوري لا على ظهر دبابة، أو وفق شهادة طبية، بل عن طريق صندوق انتخابي شفّاف، ساهم موعد الانتخابات التي أتت به في 23 أكتوبر الماضي، في تجسيد تحقيق أحد أهمّ أهداف الثورة ونقصد الصندوق الشفّاف. من جهتها كان لا بدّ للمعارضة أن تؤسس لمسار جديد في كيفية صياغة السلطة المضادة حتى تفهم جميع الأطراف ان عهد الاستبداد قد ولّى وأن عهد الاتهام جزافا لن يعود... الحكم عقلية والمعارضة كذلك عقلية، وكلاهما يتطلبان الى جانب العقلية المستوعبة في آن واحد لشروط الحكم والحاكمية وشروط المعارضة والنقد، يتطلبان اذن ثقافة رافعة لهذه المعاني ولهذه الممارسة. صحيح أن الثورة فتية في تونس وفي الوطن العربي وصحيح أيضا أن روح المنافسة مازالت تحتاج الى الكثير من ثقافة القبول بالآخر، ولكن لابد من وثبة وعي جماعية تمسّ حكّام اليوم والمعارضة، وثبة قوامها أن لا طرف وحده تحتاجه تونسالجديدة. بل هي تحتاج الى الطرفين معا، السلطة والمعارضة، ذلك حتى يفهم الطرفان بأن سُنّة التداول قد حلّت بتونس، وأن حاكم اليوم هو معارض الغد. والعكس صحيح. على أن يتخلى كل صاعد للسلطة عن عقلية موروثة عقلية لا نقبلها اليوم وتقول في جوهرها : إذا كنت مخالفا لي فأنت عدوّي..! بينما الحقيقة أن الاختلاف لا يفسد للودّ قضية.