لا يتوقف قسم التوليد بالمستشفى الجهوي بالقيروان عن إعلان وفيات النساء أثناء الولادة ووفيات الرضع أثناء الولادة. الأسباب كثيرة منها ما يتعلق بالجوانب الصحية والمتابعة ومنها ما يتعلق بالإهمال ونقص التجهيزات والاطار الطبي. فقد توفيت سيدة (35 سنة) بقسم التوليد بالقيروان مساء السبت 11 فيفري أثناء وضعها مولودها الثالث. وقد تمكنت من وضع مولودها بصعوبة قبل ان تفارق الحياة. بينما الرضيع مازال تحت المراقبة الطبية في قسم الأطفال. وهو ما جعل زوجها وأقاربها يوجهون أصابع الاتهام بالإهمال الى إطارات القسم. غير ان رئيس القسم فند الاتهامات. «الشروق» بحثت في موضوع وفاة هذه السيدة (خديجة) مع مختلف الأطراف. وقد اتصلنا بأفراد عائلة المرأة المتوفاة فاكد زوجها السيد «عادل بلارة» ان زوجته توجهت الى قسم التوليد مساء الجمعة وقد كانت متأكدة أنّها ستلد بواسطة عملية قيصرية. وبين ان الاطار الطبي لم يقم بالعملية وترك زوجته تلد بشكل طبيعي وبدل ان تلد مولودها الثالث ويفرح بخلاصها وبمولدها، فقد بلغه خبر وفاتها أثناء الوضع. غير طبيعية الخبر الذي كان صدمة للزوج ولأقارب الزوجة، جعلهم يشيرون بأصابع الاتهام بالإهمال الموجود في قسم التوليد حسب قولهم. وذكروا انه أثناء وضعها لم يكن في القسم سوى طبيبة واحدة موجودة تشرف على عديد الحالات الموجودة وهو أمر يصعب مهمتها ولا تقدر على القيام بدورها كما يجب بسبب هذا النقص. وأشار السيد عادل ان الطبيبة أعلمت زوجته أنّها ستلد بواسطة عمليّة قيصرية نظرا لكبر حجم الصغير، وتم إيواؤها ليلة قبل ذلك لمعاناتها من مشكل ارتفاع الضغط وهي حالة تتطلب عناية خاصة. وأكد الزوج أنّ زوجته أعلمته أنّها ستلد بعملية قيصرية ولكن القرار كان عكس ذلك وتم توليدها طبيعيا مما أنتج وفاتها إثر النزيف الحاصل. وقد تساءل الزوج بمرارة عن سبب التخلي عن العملية القيصرية والمغامرة بالتوليد الطبيعي مطالبا وزارة الصحة بفتح تحقيق في الغرض. وارسل وجهه بين كفيه وهو يتحدث عن تيتم أطفاله الثلاثة (6 و10سنوات) ورضيع تحت العناية الطبية المركزة. احدى قريبات الهالكة أكدت أنّ خديجة كانت تراقب حملها من قبل القوابل ومن قبل طبيب مختص باستمرار، ولكن بعد ولادتها تعرضت إلى نزيف لم يقع التفطن إليه مما أدّى إلى إغمائها ثم وفاتها، وأشارت أن فراشها كان مغطى بالدم وهو ما يعطي فكرة أنّ سبب الوفاة تم إثر نزيف. واتهمت ابنة العمة الإطار الطبي بمحاولة تعمية الأمور حتى لا تظهر الوفاة أنّها ناتجة عن خطإ طبي. وبخصوص حالة الرضيع بينت ممرضة بقسم الأطفال أنه تحت الآلات الطبية في حالة حرجة بين الحياة والموت، مبينة ان تخطيط القلب الجنين كان غير جيّد بالمرة أثناء استلامه. وأكدت انه كثيرا ما تأتي الى القسم حالات مماثلة نتيجة ما تعرضوا إليه عند الولادة. رئيس القسم: المرأة تعرضت لمرض نادر جدا من جهته وفي رده على الاتهامات بالإهمال، اكد الأستاذ الدكتور رضا الفطناسي رئيس قسم أمراض النساء والتوليد بالقيروان أن وفاة السيدة خديجة كانت حتمية نتيجة تعرض المرأة لمرض نادر جدا. وبين ان المرأة وقبل وفاتها أتت المستشفى وقد فات أسبوع عن موعد ولادتها حيث من المفروض أن تلد في الأسبوع الأربعين بينما قدمت في الأسبوع 42 إلاّ يوم. وبين انه في هذه الحالات يكون هناك دائما خطر وفاة للرضيع ولكن لم تكن الولادة استعجالية وتطلب الأمر يومين لتحضير عنق الرحم لولادة يسيرة. وأضاف «انه لما تحسنت الوضعية بعد ليلة من الإقامة قمنا بتنزيلها إلى غرفة الطلق ولم تكن هناك أي علامة تجعلنا نغيّر رأينا، الولادة أيضا تمّت بشكل طبيعي حتّى أنّ المرحومة بعد ولادتها شكرت القابلات على عنايتهن ولكن بعد وضعها مباشرة سقطت المريضة في غيبوبة مفاجئة وتعرضت الى انخفاض مفاجئ في ضغط الدم. وقال ان الأمر تطلب تشخيصا مباشرا فتدخل الطبيب المباشر وطبيبان في طور التكوين وفني التبنيج وتم القيام بالإسعافات المطلوبة الأولى من أجل تسهيل مجال التنفس وتمكينها من «السيروم» والقيام بتحاليل سريعة للدم وفي الأثناء تم الإتصال بطبيب الإنعاش الذي قدم من قسم الأغالبة كما حضر رئيس القسم الذي واصل التوضيح وقال «قدمت أنا بنفسي حيث عاينا حالة غيبوبة متقدمة مع وجود سيلان للدم وإشكالية في تكبّد الدم. وأوضح «هذه الأعراض الثلاثة لا يمكن إلا أن تحيل على فرضية واحدة ونادرة الوقوع وهي اختلاط ماء الرحم بدماء الأم ممّا يسبب انسداد عرق الرئة وهي حالة قاتلة وحتّى في البلدان الغربية التي لها وسائل إنعاش متقدمة جدا تتجاوز نسبة الوفيات جراءها بين الخمسين والثمانين بالمائة. وقال ان ما حصل ينفي مطلقا أن يكون السبب المباشر هو النزيف الذي وقع كنتيجة لعدم تكبّد الدم». وشدد بالقول على ان ما وقع لخديجة حادث نادر يقع عند كل 11 ألف ولادة وآخر وفاة سُجلت بالقيروان بسببه كانت سنة 2006. وبناء على تصريحات رئيس القسم الذي أكد ما وقع لهذه السيدة يوصف طبيا بأنه حادث غير متوقع ولا يوجد لمقاومته علاج خاص بل فقط معالجات لظواهره، فهل يرضي هذا التفسير العائلة الحزينة أم ستلتجئ للقضاء والخبراء وتتمسّك بتهمة الإهمال. لجان تقص! ورغم التوضيح العلمي لرئيس القسم فانه لا واحدة من النسوة اللاتي دخلن الى قسم التوليد بالقيروان (منهن من التقينا بهن) يذكر خدمات القسم بخير. ولا واحدة منهن تتحدث عن حسن المعاملة. وكل ما يسمع هو حديث عن الإهمال والإهانة والتمييز والمحسوبية بل وكثيرا من الاحيان طلب المقابل من اجل تقديم الخدمة وخصوصا حقنة التعجيل بآلام المخاض التي حصل وان قدمتها ممرضة بمقابل 20 دينارا لكن تبين انها «ماء حنفية» حسب رواية احدى السيدات. وغيرها من الشهادات التي دعت الى تشديد المراقبة على القسم من قبل لجنة فنية مختصة. ويبقى قسم التوليد العالم السري المحاط بالغموض والمحفوف بالمخاطر الداخل اليه مهووس بالخوف من المجهول والخارج منه مولود من جديد. وتبقى نسبة وفيات الرضع ووفيات النساء اثناء الوضع من النسب العالية في هذا القسم المكتظ الذي يستقبل عددا من الحالات بشكل يفوق عدد الاطار والتجهيزات المتوفرة. كما ان انفصال قسم الرضع عن قسم التوليد يعد من المسائل غير الصحية ولا المنطقية ورغم وعود بناء قسم للأطفال بجوار قسم التوليد ورغم وعود تعزيز قسم التوليد بالإطارات والتجهيزات، فإن الوعود ذهبت إدارج الرياح، وبقيت الفواجع والحيرة والغموض!