حقق مقطع فيديو مأخوذ من الحوار الذي أجرته القناة الوطنية مع أستاذ القانون قيس سعيد نسبة مشاهدة استثنائية في الصفحات التونسية خصوصا حين تحدث عما سماه «تطرفا لائكيا جلب تطرفا دينيا» في صياغة الدستور. بصفة عامة، تحظى مواقف وتحاليل الأستاذ قيس سعيد وتحاليله في الموقع الاجتماعي بالكثير من التقدير، وثمة صفحات مخصصة لنشر محاضراته في العلوم القانونية، لكن التصريح الذي قدمه في برنامج حديث الساعة أحدث مفاجأة مدوية في الموقع منذ ليلة أول أمس، ولقي ترحيبا كبيرا في المئات من الصفحات المعروفة بجديتها وحيادها وتقاسمه ناشطون معروفون برصانتهم وحقوقيون وجامعيون. وفي مقطع الفيديو، لا يلوك الأستاذ قيس سعيد كلامه، بل يطلق ما وصفه بعض الناشطين بأنه قنبلة حقيقية تدوي في الصفحات التونسية حين يتحدث عن «التطرف اللائكي والعلماني» في مواجهة التطرف الديني. يقول الأستاذ سعيد إن الانحراف بالثورة بدأ منذ الأسابيع الأولى ليوم 14 جانفي، وأن المقاصد الحقيقية للثورة ضاعت وظهرت مسائل لم يطرحها الشعب مثل المساواة في الإرث والزواج المثلي. كما يتهم النخب التونسية بأنها انتهزت الفرصة لتسويق الكثير من أفكارها ومطالبها التي لا علاقة لها بمطالب الشعب الثائر، وأن في أغلب تلك المطالب بذور فتنة، لأنها قسمت المجتمع إلى مسلمين وكفار وأصبح من الصعب الوصول إلى وفاق في ظل هذا التقسيم. ويمكن أن نلاحظ في أغلب الصفحات التي نشرت هذا الفيديو أن ما يثير النقاش هو الحديث بصفة علنية عن التطرف اللائكي في مواجهة التطرف الديني، والحديث عن وجود أشخاص أو تيارات تمثل التطرف اللائكي في صياغة الدستور، خصوصا حين قال الأستاذ سعيد إن التطرف اللائكي هو الذي جلب التطرف الديني. تقاسمت العشرات من الصفحات كلامه المثير الذي جاء فيه: «الإرهاب العلماني يعمل جاهدا على استفزاز المشاعر وخلق إرهاب ديني، ومحاولة المساس بالفصل الأول من الدستور تدخل في هذا الإطار». ويكتب أستاذ قانون في صفحته: «أول مرة أسمع عبارة التطرف اللائكي في القناة الرسمية وفي وسائل الإعلام الذي تعود ربط التطرف دائما بالإسلاميين، أعتبر أن المطالبة بإقرار حق المثليين في الزواج في الدستور التونسي هو تطرف لائكي مجنون، لأن آخر ما يهم عاطلي ومهمشي البلاد هو زواج الشواذ، هذه فضيحة في حق الثورة». قرأنا عشرات التعاليق التي تساند تحليل الأستاذ سعيد، من زملائه من رجال القانون ومن نشطاء الحقوق المدنية والسياسية وحتى من نشطاء اليسار. أما الإسلاميون وأنصارهم فقد وجدوها فرصة جيدة للتشنيع على اليسار والحداثيين والعلمانيين، ويجدون العبارات المناسبة لمهاجمتهم والحديث عن وجود مؤامرة وخطة لتفكيك الإسلام في تونس. يكتب ناشط من حزب المؤتمر تعليقا على فيديو الأستاذ سعيد: «كل من يراجع ثوابت المجتمع التونسي مثل الإسلام والعروبة وحقوق المرأة هو شخص يدعو إلى فتنة ولا يمثل الشعب التونسي». وبعيدا عن التوظيف السياسي لتحليل الأستاذ سعيد، فإن أغلب الناشطين المعروفين برصانتهم وموضوعيتهم قد اتفقوا على أن جزءا هاما من الأزمة السياسية في تونس سببها «النخبة» حتى أن عبارة «مصيبة الشعب في نخبه» قد قرأناها في عدة صفحات تونسية معروفة، بالإضافة إلى عبارات أخرى مثل «التفاف النخب على الثورة»، لكن عبارة «الإرهاب العلماني الذي يجلب الإرهاب الديني» ما تزال تشغل العديد من الصفحات التونسية.