مع مرور شهرين على بدء الحكومة الجديدة مهامها يبدو الوضع ملتبسا أكثر من أي وقت مضى، ويبدو هامش التحرّك محدودا أمام هذه الحكومة لمعالجة مشاكل تزداد تراكما كلّ يوم وتزيدها المشاحنات السياسية والتوترات الاجتماعية وحتى الكوارث الطبيعية وما انجرّ عنها تعقيدا.
بعد شهرين لا يزال التساؤل مطروحا لدى قطاعات واسعة من الشعب التونسي: «متى ستحكم هذه الحكومة؟» فما نراه اليوم من انفلات واحتقان وتوتّر بين أكثر من طرف ولأكثر من سبب يؤكّد أنّ جهاز الدّولة يكاد يكون غائبا وأنّ «هيبة الدّولة» التي تحدّث عنها الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي طويلا تكاد تكون مفقودة، أو لعلّها كذلك فعلا. ما يجري اليوم في البلاد يُصنّف في خانة الفوضى التي لا يمكن القبول باستمرارها لأنّ في ذلك ضربا للمسار الانتقالي نحو ديمقراطية ما قامت الثورة إلّا من أجل تحقيقها، وضربا لجهود بناء الدّولة وإعادة الثقة بين أجهزة هذه الدولة والمواطن وتصحيح العلاقات بين مختلف الأطراف الفاعلة على الساحة ( بدءا بالإعلام والمنظمات النقابية ومنظمة الأعراف ومختلف الهياكل المعنية بإصلاح الوضع وإيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة) من أجل تجاوز هذه المحنة وإنقاذ البلاد من هذا المأزق. فالحكومة عجزت حتى الساعة عن تسويق خطاب تطميني يكون مصدر رضا وتهدئة للشعب ودافعا لها للعمل في ظروف أفضل مع أنّه لا يخفى على أحد حجم المشاكل والعراقيل التي تواجهها الحكومة لتنفيذ برنامجها... الكل يبدو اليوم في انتظار برنامج تفصيلي وعدت به الحكومة قبل تقديم مشروع قانون تكميلي لميزانية الدّولة الشهر القادم والكلّ يعلم أيضا أنّ الحكومة التي أمضت 60 يوما لا يمكن أن تُوفّر حلولا لمشاكل عمرها نحو 60 سنة، والكلّ يعلم أنّ المشاكل التي تراكمت لعقود طويلة يُسوّق لها «الواقفون على الربوة» على أنّها تتطلب حلولا عاجلة وهم أعلم الناس بالإمكانات المتاحة لهذه الحكومة وبحقيقة الوضع في البلاد... لا أحد قال إنّه يُجرّم الاعتصامات والاحتجاجات أو يُحرّم معارضة الحكومة في ما اتخذته من مواقف ولا أحد يشكّ في أنّ أخطاء كثيرة وقعت فيها الحكومة منذ بدء عملها ولكن لا أحد يحقّ له اليوم أن يتّخذ من إسقاط الحكومة شعارا أو هدفا ليس لأنّ من يسعى في هذا الاتجاه إنما يعمل على إجهاض مسار الانتقال الديمقراطي فحسب بل لأنّ العاقل يُدرك أنّ محاسبة الحكومة لا يُمكن أن تتمّ قبل انقضاء 100 يوم من بدء عملها وهذا ما تواضع عليه السياسيون في كلّ أنحاء العالم وفي التجارب الديمقراطية خصوصا، ولأنّ الحكومة الحالية لم تجد حقيقة متنفّسا للتحرّك والفعل فمنذ اليوم الأول لتشكيلها تواجه حملة تشكيك بل عملية عرقلة ممنهجة بدأت ملامحها تتّضح خصوصا في الأيام الاخيرة... ما يُعاب على الحكومة أنّها «ترفض» حتى الساعة ممارسة صلاحياتها والمضي في معالجة الأوضاع على النحو الذي تقتضيه المرحلة، إذ لا يمكن لحكومة ديمقراطية أن تصمت عن العنف الذي تمارسه عدّة أطراف في البلاد وكان الصحفيون خاصة من أكثر ضحاياه، ولا يمكن لدولة قوية أن تُحجم عن استخدام ما هو مشروع للتصدّي لكل ما هو غير مشروع ولو باستعمال العنف، استنادا إلى مقولة إنّ الطرف الوحيد الذي يحقّ له استخدام العنف الشرعي هو الدّولة... والمؤسف أنّ أطرافا حتى ممّن يُحسبون على المعارضة يدعون اليوم الحكومة إلى استعمال العنف لمعالجة الظاهرة السلفية لكنهم «ينتفضون» احتجاجا على مجرّد الدعوة إلى هدنة لمدّة 6 أشهر وإلى اللّجوء إلى القانون لوقف الاعتصامات ومنح الحكومة الوقت اللّازم للعمل... الحكومة لم تبدأ على ما يبدو عملها وإذا ما تواصلت الأمور على هذا النحو من العجز والتعجيز يبدو أنّها لن تجد الظرف الملائم لذلك، ولكن يجب أن يُدرك الجميع أنّ الخاسر في كلّ ذلك ليس «حكومة الترويكا» بل إنّ الجميع خاسر... الجميع خاسر.