حظي موقف راشد الغنوشي بخصوص عدم التعارض بين الإسلام والعلمانية بالكثير من التعاليق، وتهاطلت المواقف في صفحة الشيخ على الموقع الاجتماعي لمناقشة هذا الموقف الذي بدا للكثيرين مفاجئا وجيدا بالنظر إلى العداء السياسي بين الإسلاميين واليسار هذه الأيام. تداولت الكثير من الصفحات التونسية والعربية موقف الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في ندوة «العلمانية وعلاقة الدين بالدولة من منظور حركة النهضة»، كما نقلت الكثير من الصفحات النهضوية والقريبة منها مقتطفات من أهم محاور هذه الندوة التي أثارت الكثير من التعاليق الإيجابية من ناشطين من كل الاتجاهات تمحور أغلبها حول أهمية أن ينقل الشيخ موقفه الجيد من العلمانية إلى أنصاره وإلى من يطالب بالدولة الدينية في تونس. ونقلت الصفحة الخاصة للشيخ الغنوشي الندوة كاملة من قناة تلفزية مقربة من النهضة تبث برامجها التجريبية عبر الشبكة. وفوجئنا بالمئات من التعاليق من كل الاتجاهات، حيث اكتشفنا أن العديد من ناشطي اليسار قد ساهموا في إثراء الحوار حول علاقة الدولة بالدين، كما فوجئنا بتعاليق حادة وصل بعضها إلى حد العبارات الجارحة والحادة، لكن المشرف على الصفحة سمح بنشرها. وبين التعاليق في صفحة الشيخ والصفحات الأخرى، نلاحظ إجماعا لدى الناشطين خصوصا من خصوم النهضة التقليديين على أهمية وإيجابية موقف الشيخ الذي لا يرى أي تعارض بين الدين والعلمانية، فيما يكتب مئات من أنصار اليسار والمعارضة للشيخ وإلى قادة الحركة لنقل هذا الموقف الإيجابي إلى أنصارهم. يصر الكثير من الناشطين في التعاليق التي يكتبوها على أهمية أن يتوقف الإسلاميون عن توظيف المساجد في السياسية وعن تكفير خصومهم في الفضاءات العامة. يكتب ناشط يساري يعرف بمواقفه الحادة من النهضة في صفحته: «بربي، يا نهضوي، ما هو إحساسك بعد ما قضيت أكثر من عام في شتم العلمانيين واتهامهم بالكفر، ثم يطلع عليك الشيخ ليقول لك إن العلمانية ليست فلسفة إلحادية وهي إجراء عملي لضمان الحريات في المجتمع». والواقع أننا لم نعثر على تعاليق مهمة لنشطاء النهضة في هذا الموضوع، وكثيرون منهم ما يزالون مشغولين بالحرب مع «الإعلام البنفسجي» كما يسمونه، فيما يذهب آخرون إلى أن المشكل ليس في موقف الإسلام من العلمانية بل في موقف «أدعياء العلمانية» من الإسلام، لأن هؤلاء حسب رأيهم يعملون على قطع علاقة الشعب التونسي بدينه وعقيدته وتاريخه وانتمائه. نقرأ في الكثير من تعاليق نشطاء النهضة عبارات تتحدث عن «مؤامرة» يقودها بعض أنصار العلمانية ضد الإسلام، بالتنسيق مع قوى أجنبية لديها المال والنفوذ وتنتدب مناصرين لها في تونس والدول الإسلامية للمس من عقائد الناس، واستفزازهم، مثل بث فيلم يجسد الذات الإلهية وغير ذلك مما حدث في تونس وكان موضوع مواجهات عنيفة. كتب كثيرون أن الموقف الإيجابي للشيخ راشد الغنوشي من العلمانية قد فتح الباب للنقاش الجدي بين طرفي النزاع في تونس وأن الدور الآن على القيادات لتقريب وجهات النظر، لكن المشكل في أنصار الطرفين الذين يتبادلون الشتائم بلا رحمة والتخوين والتكفير بلا هوادة في الصفحات التونسية. وفي خضم ضجيج العراك والسباب، تظهر بعض الأصوات العاقلة تدعو إلى مضاعفة مثل هذه الندوات وبثها في وسائل الإعلام وتنظيم المناظرات الفكرية وحلقات النقاش من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة نقيم عليها مجتمع الحرية، بدل الاستمرار في التطاحن بما يهدد السلم الاجتماعي.