استأثرت مسألة الشريعة في مشروع الدستور بأغلب نقاشات الصفحات التونسية في الموقع الاجتماعي وانقسم الناشطون كالعادة إلى قسمين في حالة استقطاب واضحة بين النهضة وأنصارها من جهة واليسار والمعارضة من جهة أخرى. ثمة مشاغل أخرى كثيرة في الموقع الاجتماعي لا تقل خطرا مثل الظهور المخيف للسلفيين في سوسة، وتواصل الأعمال الإجرامية في العديد من مدن ولاية جندوبة والمواجهات المتجددة بين الطلبة في منوبة، غير أن الاهتمام بمثل هذه الأحداث كثيرا ما يخفت في مقابل مساهمة أغلب الناشطين في معركة الدستور وخصوصا في ما يتعلق بعبارة «الشريعة هي مصدر التشريع». ثمة عدد كبير من الصفحات التونسية التي تخصصت منذ الثورة في مناقشة الدستور، والكثير من هذه الصفحات يتميز بمحتوى جيد ويستحق الاهتمام لما ينشر فيها من نصوص وتعاليق قانونية، رغم توظيفها سياسيا في بعض الأحيان. ويتقدم نشطاء اليسار والمجتمع المدني في هذا المجال على منافسيهم من النهضة بما ينشرونه منذ أشهر حول وجوب فصل الدين عن الدولة والتحذير من أن يجنح سياسيو النهضة وممثلوها في المجلس التأسيسي إلى اعتماد الدولة الدينية. وعندما بلغ السادة النواب مرحلة مناقشة تعريف الدولة، اندلعت الخلافات في أغلب الصفحات التونسية وأطلق نشطاء اليسار والمعارضة حملة شاملة ضد النهضة للفصل بين الدين والدولة، واعتماد دستور مدني لدولة مدنية لا تتدخل في عقائد الناس وأخلاقهم. ويكتب ناشط يساري معروف «جماعة النهضة لم يتحدثوا في برنامجهم عن تنفيذ الشريعة ولا اتخاذها مصدرا للتشريع بدل القوانين المدنية، لقد قالوا إنهم حزب سياسي مدني وأنكروا أن يكونوا حزبا دينيا له مشروع دولة دينية». ولا تغيب عبارة «الدولة الدينية» من أغلب صفحات نشطاء اليسار الذين يحذرون التونسيين من مصير الثورة الإيرانية التي تحولت إلى دكتاتورية دينية قمعية. غير أن نقاشات وتعاليق بعض نشطاء اليسار تكشف عن اقتراحات تثير غضب أغلب الناشطين في الموقع سواء كانوا نهضويين أم غيرهم، مثل اقتراح الحق في المثلية الجنسية أو إلغاء عبارة «تونس دولة دينها الإسلام ولغتها العربية» من مشروع الدستور، وهي اقتراحات يصنفها عقلاء الموقع بأنها انفلات فكري وسلوكي وشذوذ أكثر من أي شيء آخر وأن الشعب التونسي لن يقبل بالمس من ثوابته الحضارية وخصوصا اللغة والدين. وفي المقابل، نقرأ تعاليق ونصوصا في صفحات ناشطين نهضويين تطالب صراحة بالتنصيص على أن مصدر التشريع في الدولة هي الشريعة الإسلامية مع وجوب مطابقة القوانين الأخرى لها، وثمة من يبلغ به الانفلات أيضا مرحلة المطالبة بإقرار عقوبات الحدود الشرعية في المجلة الجنائية كما كانت تطبق في أول الإسلام أي رجم الزاني حتى الموت وقطع يد السارق. يكتفي عقلاء النهضة بنشر التصريح الرسمي لممثل كتلتهم في البرلمان والذي جاء فيه أن الشريعة هي مصدر التشريع، إنما دون تفصيل أكثر، مما يفتح الباب على نقاشات هامشية حول مستوى الأخذ من الشريعة في التشريع. ومن أطرف ما قرأنا في صفحات أنصار النهضة مقالات ترفض تطبيق الشريعة والحدود في تونس وترى أن تطبيق الحدود ليس ممكنا، وتطالب بدولة مدنية، وكتب أحدهم: «المهم أن لا تتعارض القوانين مع العقيدة الإسلامية والثقافة العربية». كما برز عدة ناشطين محايدين بمساهمات تستحق الاحترام، حيث قرأنا في صفحة ناشط حقوقي وهو محام أيضا: «ثمة حقائق تاريخية لا تغيير فيها: الشعب التونسي عربي مسلم، حتى البربر استعربوا وانصهروا في الثقافة العربية التي أنتجت الشخصية التونسية المنفتحة، هذا التونسي الذي أنتج مجلة الأحوال الشخصية واستفاد من أكثر القوانين والدساتير في العالم، لكنه ظل عربيا مسلما».