تحولت الصورة التي نشرتها صحيفة «المغرب» اليومية في عدد الأحد إلى موضوع نقاشات طويلة وثرية ومعارك سياسية ضارية بين اليمين واليسار، وبدا أن التونسيين قد نسوا المسيرة ضد العنف وتمسكوا بما يسمونه «قضية الفوتوشوب». أول الأخبار عن صورة الصفحة الأولى لصحيفة «المغرب» ظهرت منذ الساعة العاشرة من صباح أمس الأحد، مما يدل على تحفز نشطاء الموقع للبحث اليومي المبكر عن الأخطاء وتحويلها إلى معارك سياسية في الموقع الاجتماعي. والصورة أصبحت أكثر شهرة من الجريدة على الموقع، وتم تداولها عشرات الآلاف من المرات وبلغت مواقع ومنتديات عربية وأوروبية. تمثل الصورة لقطة للمسيرة التي تم تنظيمها يوم السبت ومرت في شارع بورقيبة، لكن يمكن لمن يعرف الشارع أن يلاحظ بسهولة أن يدا قد تحركت لمضاعفة عدد المتظاهرين في الشارع، وهو ما تحول إلى قضية حقيقية في الصفحات التونسية منذ صبيحة الأحد. في البداية انقض نشطاء النهضة على الفرصة وحولوها إلى رأس حربة في هجومهم على الجريدة التي يتهمونها علنا بالانحياز ضد حركة النهضة والترويكا ومساندة العلمانيين والحداثيين، ولا يجد نشطاء النهضة أي حرج في تسميتهم بجماعة فرنسا أو جماعة الصفر فاصل. استمر هجوم النهضويين على الجريدة بضراوة كبيرة في ظل صمت مطبق من أنصارها ونشطاء اليسار، ثم انظم ناشطون من غير النهضة وزملاء من كل الاتجاهات لإدانة ما حدث لأنه لا أحد يجد مبررا للدفاع عن تزوير الصور في الصحافة حتى وإن كان من أجل رفع المعنويات. نشر زملاء كثيرون مقالات عن أخلاقيات المهنة وحدود التصرف في الصور، وانتهى الجميع إلى الاتفاق بأن ما حدث مخالف لمواثيق المهنة، ولا مبرر له أصلا، فيما تساءل كثيرون عن الحدود التي يجب أن يقف عندها الصراع بين خصوم السياسة في تونس، هذا إذا اعتبرنا أن جريدة المغرب قد انحازت وأصبحت طرفا في المعركة السياسية كما يتهمها الإسلاميون علنا. كتب ناشط حقوقي معروف من اليسار: «المسيرة كانت جيدة ولم تكن بحاجة أبدا إلى تزوير الصور لبيان نجاحها، يا للخسارة»، وتناقل نشطاء كثيرون الموقف نفسه، وبعضهم يكتب إنه كان من أنصار الجريدة ضد النهضة والسلفية لكنه لا يستطيع الدفاع عنها بعد نشر الصورة المزيفة، جاء في صفحته: «القضايا العادلة لا تحتاج إلى التزوير». وعموما اختار أغلب ناشطي اليسار والمعارضة في الموقع الصمت على الحادثة، فيما عبر آخرون عن رفضهم لها، أما النهضويون فلم يتركوا أسلوبا في الهجوم والتهجم إلا واستعملوه، وأصبحت عبارة «فوتوشوب» (أشهر برنامج لمعالجة الصور) في كل المقالات والتعاليق، كما رأينا عشرات الصور المركبة للصفحة الأولى من جريدة المغرب، وبدا أن خصومها قد ربحوا جولة هامة في الصراع التاريخي بين اليمين واليسار في تونس، وأن مسيرة الحرية قد نسيت في ضجيج قضية الفوتوشوب. وإذا كانت هذه القضية قد شغلت فعلا الصفحات والمواقع التونسية، فإننا لم نقرأ ردود فعل رسمية لا من الجريدة ولا من المؤسسات المعنية بوضع الإعلام وهو ما طالب به العديد من الناشطين في الموقع، وخصوصا من الزملاء الذين طالبوا نقابتنا بموقف واضح مما جرى، لأنه يعد سابقة في إعلام ما بعد الثورة الذي يتعرض لتهم لا تكاد تحصى.