مثّلت استضافة لجنة الحقوق والحريات بالمجلس التأسيسي أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد مؤخّرا والأستاذ عياض بن عاشور أمس واللّقاءات التي نظّمتها بعض اللجان التأسيسية والخاصة في صلب المجلس مع عدد من الخبراء والمعنيين
بتخصّص كلّ لجنة خطوة في اتجاه انفتاح عمل اللجان التأسيسية على رؤى وتصورات المتخصّصين وفقهاء القانون وحتى الشخصيات ذات التاريخ النضالي والمواقف الوطنية حتى يكون الدستور الجديد دستورا لكلّ التونسيين كما يتطلّع الجميع إلى ذلك.
استضافة سعيّد هي الحلقة الأولى من سلسلة جلسات الاستماع المنتظرة داخل مختلف اللّجان التأسيسية لشخصيات وطنية من أمثال أحمد بن صالح وأحمد المستيري ومصطفى الفيلالي (شيوخ التأسيسي الأول) وخبراء في القانون من أمثال الصادق بلعيد وعياض بن عاشور، وفي ذلك أكثر من مقصد وأكثر من فائدة للعمل الجمعي ولترسيخ روح التوافق في هذه المرحلة التأسيسية الحسّاسة.
فالاستئناس بآراء خبراء القانون سيوفّر جانبا تقنيّا يبدو ضروريّا في صياغة الدّستور بالنّظر إلى غياب التخصّص عن عدد كبير من أعضاء المجلس الذين يمثّلون كُتلهم في هذه اللجان التأسيسية وسيعزّز صلابة القاعدة التي ستنطلق منها كلّ لجنة في وضع تصوّراتها للمبحث الذي أخذته على عاتقها قبل البدء بالصياغة، وسيمثّل سندا قانونيا ومعنويا ضروريا للمجلس في أداء هذه المهمّة الخطيرة.
وسيكون هذا التوجّه مُفيدا للّجان التأسيسية أيضا من حيث طمأنة المجتمع المدني الذي لا ينفكّ يذكّر بدوره الرقابي بأنّ عملية صياغة الدّستور لن تتمّ بمعزل عن مشاركة أطراف من خارج المجلس التأسيسي ولن تجري خارج دائرة التوافق والتشاور مع مختلف القوى الحية على الساحة السياسية.
ولا شكّ أيضا أنّ هذا التوجّه نحو «وجهاء السياسة» في تونس وخصوصا أولئك الذين كانوا شهودا على قيام المجلس التأسيسي الأول وعمله إلى حين إعداد دستور 1959 له رمزيته ودلالاته وفيه رسالة طمأنة إلى أنّ المراحل التأسيسية لا تعني بالضرورة القطع مع كلّ ما يُنسب إلى الماضي وإنّما تتطلّب قدرا من التواصل واستلهام الخبرات والاستئناس بما صلُح منها، فضلا عمّا يعنيه ذلك من اعتراف بما بذله المؤسسون الأولون من جهود لتركيز الجمهورية الأولى.
وعلاوة على كلّ ذلك يبدو أنّ هذا الاختيار قد اتخذ منحى لتحقيق هدف مطلوب في هذه المرحلة وهو التوافق وضمان الحدّ الأدنى من الوفاق على مختلف القواعد والمبادئ الكبرى لدستور ينبغي أن يُعبّر عن إرادة الجميع وبمشاركة الجميع.