التونسي والقانون، أصبحت العلاقة تثير التساؤل؟ وهل هي القطيعة؟ أم هو عدم الاكتراث؟ أم أن جميع القوانين لاغية في «الوعي الجمعي» فقد صيغت لتخدم فئة على حساب الأغلبية فثار عليها؟
تونس «الشروق»:وأنت في السوق تقتني بعض حاجاتك (الأسعار)، وأنت تقود سيارتك، وأنت في احدى الادارات، في الكلية، ... وأينما وليت وجهك ونظرك وأينما اجتمعت مع الآخر، أكيد ستصطدم وتلاحظ خروقات للقانون، وكأن تغييب القانون أصبح هو الحالة الأصل. وبالارقام، سجلت أكثر من 1600 حالة اعتداء على أعوان الأمن وأكثر من 300 في القطاع الصحي، وأصبحت الاعتداءات على رجال التعليم وفي المؤسسات التربوية عادة. وعلاقة التونسي بالقانون أصبحت اشكالا حقيقيا، يحاول المختصون الاجابة عنه، ورغم تعليق العمل بدستور 1959 وعمل المجلس الوطني التأسيسي على صياغة دستور جديد للبلاد فإن المنظومة القانونية مازالت سارية المفعول الى اليوم، ضمانا لتواصل الدولة والعقد الاجتماعي الذي يربط التونسيين فيما بينهم اختياريا ويربط علاقتهم بالدولة التي هي الفضاء الذي يتعايشون فيه. عادي وان كانت الفوضى والاضطرابات هما الوضع المهيمن بعد 14 جانفي 2011 مباشرة، وهو قدر جميع الثورات التي حصلت، وان كان الانفلات هو العنوان الأول الذي سيطر على الواقع، فإن عودة السلطة السياسية والتنفيذية الى العمل والتحكم بموجب مهامها، وعودة الادارات والمصالح الجهوية والمحلية الى النشاط العادي، لم يوقف نزيف الفوضى وعدم الاكتراث بالقوانين واستعمال العنف وعدم احترام الضوابط المعمول بها، ويوضح هنا الدكتور عماد الرقيق المختص في علم النفس أن المسألة مرتبطة بعدم تمثل رمزية السلطة لدى المواطن وخاصة لدى الفئة الشبابية المندفعة والمنفعلة بطبيعتها، وهذا مرتبط بتراجع دور الدولة بعد 14 جانفي، التي لم تعد لها نفس القوة والقدرة على السيطرة لفرض القانون المنظم للعلاقات والمصالح بين الناس وعلاقتهم بهياكل ومؤسسات الدولة. ويذهب بلعيد أولاد عبد الله المختص في علم الاجتماع من ناحيته الى أن الانفلات الحاصل ما هو الا نتيجة غياب الثقة والقطيعة مع المنظومة السابقة، فهي في وعي المواطن «قوانين كانت تحمي وتراعي مصالح العائلة الحاكمة والفئات المقربة منها، لذلك وجب إلغاء هذه المنظومة واعادة بناء منظومة جديدة». ثقافة غائبة ولأن جميع المجالات والهياكل والأطر منظمة بقوانين تسيرها، فقد أصبحت الفئات المثقفة وذات المستوى الثقافي العالي غير قادرة على تملك ثقافة قانونية تخولها عدم تجاوز القواعد القانونية، ويؤكد بلعيد أولاد عبد الله أن «تعدد المنظومات والكراسات القانونية نجم عنه غياب للثقافة القانونية بين أفراد المجتمع الى درجة أن الفئات المختصة هي وحدها الكفيلة بالإلمام بالجوانب القانونية لهذا الاطار أو المجال أو ذاك». وكانت دراسات ميدانية أكدت مثلا أن المواطنين هبوا لصناديق الاقتراع أيام انتخابات المجلس الوطني التأسيسي دون تمثل المهام التي سيتولاها هذا المجلس ودون أدنى ثقافة ومعرفة بماهية الدستور، وتفيد العينات التي تم استجوابها في هذا الخصوص أن أكثر من 80% من المواطنين ليست لهم أية ثقافة قانونية بخصوص الدستور. يؤكد هنا عماد الرقيق «أن للتوعية ووسائل الاعلام دورا أساسيا في نشر ثقافة توعوية قانونية تجنب الكثير من التجاوزات والانفلاتات التي تنذر بالخطر». غياب العقاب في نفس السياق، فإن غياب العقاب، والتهاون في التعامل مع التجاوزات التي وصلت حتى «تنكيس العلم الوطني»، وحمل السلاح والعنف وهي وقائع مادية حصلت، فاقم في عدد التجاوزات التي وصلت الى حدود تعنيف أفراد من الأجهزة الأمنية والاستهزاء بها في كثير من الحالات وكما ذكر انفا فقد سجل 1600 اعتداء على أعوان أمن سنة 2011. ويفسر عماد الرقيق ذلك بأن «عدم المعاقبة يؤدي الى خلق نفسية منفلتة لدى فئات كثيرة، وحتى التفاصيل الصغيرة التي قد تظهر غير مؤثرة على مجرى الأمور كعدم الاكتراث بقانون الطرقات بالأولوية والصف في الادارات، في العراك والسباب والشتم أي العنف غير المادي هي تفاصيل تفاقم في الانفلات النفسي». ومن جانبه يعتبر أولاد عبد الله أن «ضعف الهياكل المركزية والجهوية والمحلية وعدم قدرتها على تطبيق القانون هو سبب آخر لعدم اكتراث المجتمع بهذه الأطر المطبقة للقانون». الى متى؟ السؤال الذي يطرح بعد عام وبضعة أشهر على الثورة التونسية هو الى متى تتواصل الفوضى والانفلاتات وعدم الاكتراث بالقانون؟ فرغم تحسن الوضع الأمني والاستقرار الاجتماعي منذ أشهر فإن مظاهر تجاوز القانون مازالت كثيرة بل مهيمنة، بل يذهب أولاد عبد الله الى أن «الفراغ القانوني الذي تعيشه البلاد بعد تعليق العمل بالدستور وغلبة المنافسة السياسية، أدى الى التساهل وغض النظر عن كثير من التجاوزات وكأننا نعيش حملة انتخابية متواصلة للمرحلة المقبلة». في المقابل فإن الوضع الانتقالي الحالي، وعدم استيعاب السلطة اليوم قد يفاقم في عدم احترام القانون، والذي يمكن ان يعطل الحياة الطبيعية بدوره» كما يوضح الدكتور الرقيق. وأكيد، فإن التسريع في صياغة الدستور الجديد أم القوانين واستكمال مهام المرحلة الانتقالية الحالية التي تقودها «سلطة شرعية مؤقتة»، لتعود البلاد الى الاستقرار ولتنتقل الى الوضع العادي، سيخفض من حدة الانفلاتات وعدم الاكتراث بعلوية القانون.