بهدوء ايها السادة وبلا تشنج او تكفير او اعلان نفير تعالوا نفكر معا في حال بلدنا وشعبنا وفي حال ما سموه لنا وارتضيناه من اننا «رواد الربيع العربي». انتفضت الجماهير اكثر من مرة وعلى امتداد عقود . ثم عمت انتفاضتها لمدة شهر(ديسمبر/جانفي 2011) وانتهت برحيل بن علي بطريقة بدأت نقاط الاستفهام تحوم حولها ...المهم تكسر قيد ..وابتهجنا بذلك وتفجرت فرحتنا في الشوارع والساحات والقرى والارياف ..تفجرت حبا للوطن وعشقا للحرية وودّا بيننا..حرسنا الشوارع والازقة وتقاسمنا الرغيف وجدنا بما نملك..كلنا بلا استثناء..من خرج يواجه ومن وقف يشجع ومن لاذ بركن يدعو..ورحبنا صادقين بعودة من هاجر او هُجّر من اهلنا وبمن قاوم عن بعد وهو يبيت على الطوى وبمن «ناضل» في منافي الخمسة نجوم ...سواء بسواء..كلنا ابناء هذا الوطن ولكل حق فيه والله يقسم الرزق لمن هاجر فهذا في قصر والآخر تحت قنطرة...لكن..ماكادت العاصفة تسكن والنفس البشرية تطمئن الى امان حتى تحولت ممارسة «الحرية» الى ما يشبه الفوضى بل هي الفوضى بعينها ..وكل يريد ان يثبت انه يتمتع بالحرية وكل يدعي انه صانعها وصاحب الفضل فيها..وكلنا نعرف ما حصل... من عزل لوزير الى حرق لمنشأة الى احتلال لشارع عام الى ايقاف العربات تسد الطرقات من اجل احتساء قهوة وتدخين سيجارة..
.انهار نظام فتسابقنا بعمى في البصيرة نحو انهاء الدولة حتى أصبحت ظلا لهيبة...ثم اندفع اهل «السياسة ان جاز ان نسمي ذلك سياسة يتصارعون من اجل ان يكونوا هم حكاما لشعب انصرف عن الثورة الى كسب سريع وتناحر مريع وتصفية حساب فظيعة ..وقلنا ..ممارسة لحق وديمقراطية وليدة وفترة انتقالية لا مفر منها واشباع لحرية حرمنا منها لعقود..وجاءت الانتخابات فاذا بها تنقلنا من حال الى حال..كنا ننتظر ان تكون فترة انتقالية جديدة وقنطرة نمر عليها الى الثابت فيما نريده لهذا الوطن من بناء متين وعزة وكرامة ..واذا الاحزاب القديم منها والجديد تتطاحن مرة اخرى..شهر كامل ونحن ننتظر مولد النظام الانتقالي ..وجاء المخاض العسير...خلنا اننا سنقبل بما افرزته صناديق الاقتراع وان الجميع وفي المقدمة ساسة الداخل والخارج سيعكفون على اعادة ترتيب الاوضاع ووضع لبنة البناء الجديد...ومرة اخرى لكن...عاد هؤلاء الساسة الى التناحر..هذا يقول انه فاز وعلى الجميع الانصياع ل«ارادة الشعب» وهذا يشكك في الفوز ويقول ان 19 بالمائة من الناخبين لا يمثلون كل الشعب ..بل ومنهم من مد اليد الى من تضرر يعملون معا على تحويل الفوز الانتخابي الى فشل سياسي وتنموي ..ودخلت بلادنا اخطر المراحل..
بدأ الاستقطاب والفرز..وتحول الحوار المفروض ان يوجد الى مجادلة ثم الى تخوين وتلاسن واقتتال بالهراوات واحيانا بالسلاح الابيض...وزاد الاستقطاب والتحشيد فتحول الى مطارحات في الصحف والمجلات وفي وسائل الاتصال كافة من اذاعاتها الى فيسبوكها وتويترها...ثم الى مواجهات في الشوارع والساحات ..وتحولت تونس الحبيبة الوديعة الى ساحة معركة اغتنمت فئات اخرى غبارها فانطلقت كالسيل المزبد تخبط خبط عشواء تحمل بيد الهراوة والساطور وبالثانية دفاتر مستوردة او كامنة تريد ان تفرضها وبالقوة على الناس وعلى الاحزاب حاكمها ومحكومها ...ووسط هذا الغباركثفت قوى خارجية لم تكنّ الحب يوما لبلدنا ولامتنا تنفخ على النار وتزود بالوقود ايادي كثيرة امتدت اليها من قبل الثورة ومن بعدها ...دول و«منظمات مجتمع مدني» تريد ان تعلمنا الديمقراطية والعدالة والحرية وتكتب لنا الدستور..ودعاة اعتقدوا ان الاسلام لم يدخل هذه الربوع مذ اربعة عشر قرنا فجاؤوا ينشرون شرعتهم ومنهاجهم ...واذا بالحشود التي خرجت قبل اربعة عشر شهرا تنادي برحيل الطاغية ثم تعبر عن فرحتها بانتهاء عهد الفساد (ان كان قد انتهى فعلا) اذا بهذه الحشود /رغم اختلاف الخلق والخُلق/ تعود الى الشارع..وليتها خرجت هادئة تعبر عن مطلب او رؤية او وجهة نظر..لا...خرجت تريد ان تفرض المطلب والرؤية ووجهة النظر..واذا بحشود تقابلها ..واذا بالشعارات تمتزج بسبّ الطرف الاخر ولعنه والاعتداء عليه ...واذا بالتشنج الاعمى يبلغ مداه احيانا فترتكب الجرائم تحت غطاء الفكر والفكر المضاد ...واذا ردود الفعل تخرج عن نطاق المعقول واللا معقول...مطالب بتغيير النشيد الوطني وبتغيير هيكل الدولة وتسميتها ...راية الوطن تهان ..ومؤامرات كيدية تطبخ وتنفذ ..اهانة للمشاعر العربية والاسلامية المترسخة في شعبنا قبل وجود الاحزاب وصناعها..وتدنيس لكتاب الله العظيم من اجل استفزاز المشاعر وتحريك الحمية لهدف سياسي مكشوف ذلك ان التاريخ لم يكتب على تونسي ان دنس القرآن الكريم من يوم ان منّ الله علينا بنور الاسلام...
أيها السادة..يا ايها الساسة وايتها الاحزاب...انكم تجرون البلاد الى فتنة ستحرق الاخضر واليابس من اجل ان تكون لكم الكراسي التي لو دامت لغيركم ما وصلت اليكم..يا ايتها الجماهير التي تحب هذا الوطن وترابه لا تنساقوا وراء من يدفعنا نحو الفتنة تحت أي مسمى وبأية تعلة..كنتم وستظلون عربا ومسلمين عاملين طيبين فلتذهب الاحزاب والسياسة الى الجحيم ولتكن تونس العربية المسلمة امانة بايديكم تعيدون مجدها العربي الاسلامي الطاهر...واحذروا الفتنة التي يسوقونكم اليها سوق الخراف فالفتنة أشد من القتل.