زريق الدخلانية منطقة على مرمى حجر من وسط مدينة قابس ولكنها لا زالت خارج اهتمامات السلط الجهوية يعيش اهلها الفقر والتهميش... عائلة الشيخ مسعود واحدة من هذه العائلات الكثيرة التي قست عليها صروف الدهر وظلمتهم الحياة كثيرا.
ولولا تدخلات الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية وبعض اصحاب القلوب الرحيمة لكان حالهم أسوأ مما هم عليه. «الشروق» زارتهم ونقلت جانبا من معاناتهم. الطريق الى هذه المنطقة طيني موحل لا زالت مياه الأمطار الاخيرة لم تجف بعد وقد حولت اجزاء كثيرة منه الى برك متناثرة تأوي الحشرات وتبعث الروائح الكريهة وتزيد من صعوبة وصول المتساكنين الى منازلهم المتناثرة بين جنبات واحة لم يتبق منها الا عدد قليل من نخيل لا زال صامدا في وجه الزحف العمراني من ناحية والتعدي على الغابة بتحويل بعض نخيلها الى مصدر «للاقمي» ومسرحا لجلسات خمرية على مرأى ومسمع من المتساكنين.تتناثر البيوت بين أحضان غابات واحة زريق الدخلانية بطريقة عشوائية وتظهر اثار الرطوبة جلية على جدران البيوت الوطيئة وبعضها لم يكتمل بناؤه بعد ومن بين هذه المنازل «منزل» يضم اربع عائلات تتكون من 18 فردا يتقاسمون اربع غرف بنيت في فترات متباعدة لتشكل على مر الزمان صحنا مربع الشكل اصبح يمثل اكبر مشكل عند كل نزول للغيث النافع فتتجمع المياه به ليتحول الى ما يشبه بركة تستنفر كل متساكني المنزل للتعاون على اخراج المياه حتى لا تتراكم وتدخل البيوت وتتلف ما يملكون من اثاث.
وفي ركن من باحة المنزل عدد من الصفائح والاوعية البلاستيكية وقد ملئت من مياه الامطار الاخيرة ليستعملها اصحابها في الشرب لعجزهم المادي المزمن بعد ان اصبحت مياه الحنفية الى الشطط اقرب نتيجة استنزاف الموارد المائية منذ عقود. مياه الامطار تتحول لدى هذه العائلة كغيرها من متساكني المنطقة من رحمة الى نقمة فتقطر الاسقف المهترئة وتتسلل المياه عبر الجدران لتترك اثارا جلية للرطوبة والعفن لا تجدي معها اعواد الند وروائح البخور الحاضرة دائما كحل يخفف من حدة رائحة الرطوبة.عندما دخلنا المنزل صحبة فريق من الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية وجدنا الشيخ مسعود ذي الاربعة والسبعين سنة يضع اللمسات الاخيرة لترميم واجهة غرفته بعد ان تبرع له اهل البر والاحسان بباب وشباك يعوض «نصف الباب» الذي كان يستعمله سابقا مع قطعة قماش للتخفيف من حدة البرد والريح.وامام المنزل عدد من الاكياس الضخمة تحوي قوارير وصفائح بلاستيكية يجمعها الشيخ مسعود وشقيقه لاعالة والدتهما العجوز وافراد اسرتهما رغم ظروفهما المادية القاسية فاحدهما يعمل منذ سنوات في المجمع الكيميائي باجر زهيد والاخر يتخذ من جمع القوارير الفارغة مهنة توفر له حوالي سبعة دنانير يوميا يعود بها راضيا ليوفر لقمة عيش لابناء بعضهم لا زال يدرس والبعض الاخر تخرج وبقي معطلا كغيره من الاف خريجي الجامعات.
تضافرت جهود كل من رئيس قسم النهوض الاجتماعي وفاعلتي خير (صيدلانية ومبصرية) لتوفير كرسي متحرك لعجوز ال 118 سنة بعد ان هدها الكبر واعيتها صحتها عن حملها مع توفير حشايا واغطية وادوية وبعض المؤن واللوازم الاخرى لافراد العائلات الاربعة.قد لا تكون حملات التبرع حلا جذريا لمشاكل تنموية مزمنة وفقر مدقع مس اغلب فئات المجتمع ولكنه مع ذلك يعطي جرعة اكسيجين لاناس تحالفت عليهم نوائب الدهر والسياسات التنموية الخاطئة لتحولهم الى مواطنين مهمشين من درجة ثالثة.