تتكاثر هذه الأيّام العديد من الإشعاعات التي تمتزجُ برائحة صراع حزبي وتجاذب سياسي بين اكثر من طرف من أطراف العمليّة السياسيّة الجارية اليوم في البلاد. هناك الكثير من الخلط واللغط ، ولا يكاد يهنأ بال أحد من الفاعلين السياسيين عن كيل الاتهامات لبعضهم البعض ، من كان منهم في الحكم ومن كان منهم في دفّة المعارضة. يكاد يكون اليوم المشهد السياسي ملازما لحالة من التوحّد حول أجندات حزبيّة وسياسيّة ، وتختلط في ذهن المتابع للشأن السياسي الوطني حقيقة ما يدور في الكواليس وفي الخفاء من استراتيجيات وخطط تسعى هذه الأطراف أو تلك إلى اعتمادها في محاولة لإعادة خلط أوراق اللعبة السياسيّة ورسم خارطة بديلة عمّا هو متوفّر حاليا وفق إمكانيات البلاد وحالاتها الاقتصاديّة والاجتماعية على وجه الخصوص. هناك شبه إجماع لدى الخبراء والمختصين في تشخيص الوضع القائم حاليا في البلاد والّذي يستدعي ضرورة المرور السريع لتركيس برامج إصلاحيّة وتنفيذيّة عاجلة على أرض الواقع لإنقاذ الاقتصاد الوطني وتقديم بعض المنجزات للشعب وخاصة في مجال التشغيل والتنمية الجهويّة، وإلاّ فإنّ الأوضاع قد تزداد سواء بتواصل مظاهر التعطيل والتوتير الاجتماعي والدفع من جديد إلى استقطابات إيديولوجيّة أو عقائديّة أو ما شابههما. منطق التشكيك والّذي يصل أحيانا إلى منطق التخوين والتآمر ويدفع إلى مزيد من التوتّر اتّضح أنّه طريق مسدود خاصة إذا ما بُني على أجندة حزبيّة ضيّقة لا تُراعي واقع البلاد وحاجياته الراهنة والملحّة. ومن المؤكّد أنّ مجريات الأحداث ستعكس رويدا رويدا حصيلة الفرز الجاري حاليا بين الأطراف التي تتمسّك بتلابيب أحزابها وبحثها عن أدوار في المشهد السياسي على حسابات حاجيات اللحظة ورهاناتها المصيريّة وبين تلك التي تُغلّب المصلحة الوطنيّة. لقد عكست مواقف بعض الأحزاب مؤخّرا، كما عكست نقاشات بعض الطيف المعارض في المجلس الوطني التأسيسي سواء في اللقاء بوزيري الداخلية والتعليم العالي أو من خلال أعمال اللجان التأسيسيّة رؤية متبصّرة لتفادي الخلط بين الحزبي الضيّق والوطني الواسع ، ومن الوجيه أن تتعاظم التطلعات في أن ينصرف الجميع الآن وليس غدا للانصهار ضمن المشاغل الحقيقيّة للبلاد بعيدا عن كلّ حسابات حزبيّة ضيّقة والتأكيد على أنّ هضم الأمر الواقع الّذي أفرزتهُ الثورة وانتخابات 23 أكتوبر 2011 أضحى أمرا لا مفرّ منه. إنّ عجلة «الثورة» وقاطرة التغيير تسير وليس مهمّا بأيّ سرعة وبأي قياس وإنّ مصلحة الوطن تبقى دوما فوق مصلحة الأحزاب والتيارات السياسيّة.