يعلم الجميع أن بلادنا مرت الى حد الآن بثلاث مراحل انتقالية كانت الأولى مباشرة بعد سقوط نظام بن علي قاد الحكومة خلالها السيد محمد الغنوشي تلتها مرحلة ثانية شهدت نوعا من الاستقرار في ظل حكومة قادها السيد الباجي قايد السبسي
ثم انطلقت المرحلة الثالثة بعد انتخابات أعضاء المجلس الوطني التأسيسي التي أفرزت فوز ثلاثي الحكم الحالي فتشكلت تبعا لذلك حكومة جديدة بقيادة السيد حمادي الجبالي.. وليست الغاية هنا تقييم أو مناقشة ما حدث في المرحلتين الأولى والثانية ولكن الأهم حسب تقديري هو محاولة فهم ما يحدث الآن في علاقة بما سبقه بعيدا عن الشعارات الفضفاضة والمناورات الكلامية لأن المعادلة السياسية الحالية تفرض علينا ذلك بحكم أن الخارطة السياسية الآن أضحت تتكوّن من قطبين ؛ القطب الحاكم من جهة والذي تقوده حركة النهضة والقطب المعارض من جهة أخرى والذي تتنافس مكوّناته على موقع القيادة فيه ولم يحسم الأمر بعد، اذ وبالاضافة الى القطب الحداثي الذي تتزعمه حركة التجديد والحزب الوسطي الكبير الذي لم يتأسس بعد وبعض الأحزاب اليسارية والأحزاب الوحدوية القومية فان المؤشرات تدل على سعي بعض وزراء الحكومة السابقة الى تولي هذا الدور محاولين توظيف عدة أطراف، وكانت البداية العلنية مبادرة رئيس الحكومة السابق والمتمثلة في نص نشرته وسائل الاعلام تضمن اشارات سياسية قابلة لتأويلات عديدة ومختلفة، وكانت آخر تمظهرات هذه المحاولة البرنامج التلفزيوني «لقاء خاص» الذي بثته قناة نسمة في سهرة يوم الأحد 11 مارس والذي حلّ فيه ثلاثي المبادرة ضيوفا على البرنامج..
لا ينكر أحد أنّ حكومة الجبالي مرّت وتمرّ بفترات حرجة وأنّها تتحملّ مسؤولية ذلك الى حدّ ما، غير أن مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية تتحملها المعارضة أيضا اذ أننا لم نسمع الى الآن بمبادرات جدية تقترح الحلول والبدائل في حين تتعالى الأصوات هنا وهناك بالتعليقات والانتقادات الموجهة لآداء أعضاء الحكومة وتحميلها مسؤولية كل ما يحدث من فوضى في البلاد.. كما أن مكوّنات المعارضة السياسية عجزت الى حدّ الآن عن الالتفاف حول مشروع واحد وفي هيكل واحد ومازالت تحكمها التجاذبات حول المواقع القيادية وليس حول البرامج والبدائل، كما أن أغلب مكوّناتها استكانت الى لعب دور الضحية مترصدة لتصريحات «أعدائهم» بالتعاليق المطوّلة والمملة في كثير من الحالات.. وباختصار يمكن القول بأن أغلب مكوّنات المعارضة اكتفت بمواقع ردّ الفعل وقلّ فعلها في معظم الحالات.. لست هنا مدافعا عن الحكومة الحالية، بل أرى في آدائها بطءا وتقصيرا ملحوظين، لكن وفي الآن نفسه يظل آداء المعارضة الى حد الآن ضعيفا وخارجا في الكثير من الحالات عن مساره الطبيعيّ، ومن المعلوم بالضرورة أن قوّة نظام الحكم من قوّة معارضته، أما اختلال التوازن بين الطرفين فانّه لا يخدم مصلحة أحد والمتضرر الأوّل والأخير في مثل هذه الحالة لن يكون سوى الشعب.. وللحديث بقية..