وأنت تصعد مدارج الأزقة الضيقة لمدينة الكاف القديمة تجد الزاوية «الرحمانية» وهي اكبر الزوايا الصوفية الخمس الموجودة بمدينة الكاف، مساحة واتباعا، وأكثرها ثراء لما توفر لها من هبات وحبس أيام نشاطها. وهي بذلك تعد منارة علمية ودينية وسياسية. وتمتاز هذه الزاوية بقبابها الثلاث مختلفة الشكل والحجم والطابع المعماري. الذي يميزها عن بقية «الزوايا» الأخرى المنتشرة في أنحاء المدينة, كانت الزاوية «الرحمانية» دار صدقة. ففي أول أيام شهر رمضان يؤمها الفقراء، نساء ورجالا، للحصول على القمح والسكر والزيت .
كما كانت توزع الإعانات ليلة الخامس عشر من شهر رمضان ومن عاداتهم في تلك الليلة طبخ الكسكسى بلحم الخروف كوجبة أساسية للإفطار.
أما في السابع والعشرين من الشهر المعظم فيقع ختن الأطفال بها وتوزع الصدقات والهدايا على العائلات المعوزة.
أما الطلبة الذين يسكنون فرع « القادرية» والمدرسة « المليتية» والمدرسة «الحسينية» ومدرسة «على بن صالح» والذين كانوا يدرسون علوم الدين والفقه واللغة بالجامع الكبير (البازليك حاليا). فيتوجهون إليها كل مساء لحمل الراتب ويعني طعام الإفطار والسحور، وكانت الزاوية تسمى دار الضمانة، إذ كانت تضمن لديها الأيتام والأرامل والفقراء . وتوفر لهم السكن والطعام والملبس .
ظاهرة دينية أم روحانية؟
الزاوية «الرحمانية» ظاهرة دينية روحية، تدعو إلى احترام مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وتدعو مريديها إلى العمل على نشر الخير الفضيل، وتدريس العلوم الشرعية، وتربية الأبناء على الأخلاق الحميدة، وتقاليد الآباء والأجداد، وغرس الإيمان في قلوب الناس، وتعليم الناس أمور دينهم، ويستقر بالزاوية معلمو القرآن والحديث النبوي سواء تطوعا أو اعتمادا على المخصصات التي يدفعها أثرياء الجهة .
ظاهرة اجتماعية أم سياسية؟
كما أنها ظاهرة اجتماعية، إذ كان يسكنها الفقراء والأيتام والأرامل. فقد كانت مأوى لكل امرأة ضاقت بها السبل، أوتعرضت للاضطهاد . فقد كانت الزواية تقوم بحمايتها والسهر عليها حتى الزواج أوالموت، وأحيانا يكون الزواج من أحد رواد الزاوية أو أتباعها... كما أنها لعبت دورا سياسيا كبيرا إبان الاحتلال الفرنسي، إذ اخفت السلاح والمناضلين وساعدت الثوار الجزائريين أثناء الثورة. وقد كان المناضل علي بلهوان يزور الشيخ على بن عيسى اشهر مشايخ الزاوية والذي عرف بالجاه والوقار وقوة الشخصية للحصول على الدعم المالي للحركة الوطنية.
والمتجول في رحاب الزاوية الآن، يشاهد «دار التربة» وهي الدار التي دفن بها مشايخ الزاوية، والمسجد ودار الضمان، ودار الضيافة ، والمطابخ والإسطبلات إلى غير ذلك ..وقد تحولت الزاوية منذ الثمانينات إلى متحف بعدما تعرضت إلى الإهمال، وتداعت حيطانها بعد أن تخلى عنها الساهرون عليها، وانتقل البعض منهم إلى تونس العاصمة كالشيخ «يوسف بوجحر» والذي حمل معه بعض المخطوطات القيمة التي كانت موجودة بالزاوية وبعضا من تاريخها.
وقد عرفت دائرة المعارف الزاوية بقولها «الزاوية هي مدرسة دينية ودار مجانية للضيافة» فهذا التفسير اللغوي ينطبق كليا على الزاوية الرحمانية بمدينة الكاف .