حتى يتسنى لنا التطرق إلى موضوع الثقافة ترف أم ضرورة؟ لا بد في البدء أن نحدد من هو المثقف وأيضا أن نحدد ماهية الثقافة. إختار العرب «الثقافة» تعبيرا عن الحكمة، فالثقافة لفظ مشتق من كلمة «الثقاف»
كما أشار إلى ذلك ابن منظور والثقاف هي الأداة التي كان يسوى بها الرمح، ويقال أن الرمح أصبح مثقفا، وثقف الشيء أقام المعوج منه وسواه، والإنسان أدبه وهذبه وعلمه.
وفق الإستعمال العام في الوقت الحاضر يقصد بالفرد المثقف أو على الأصح «المتحضر» الشخص الذي استطاع أن يصل إلى درجة التمكن في بعض مجالات المعرفة كالفن والموسيقى والأدب.
ويرى علماء الأنتروبولوجيا من ذوي الإتجاه السوسيولوجي أن الثقافة تشتمل على مجموع العادات والأفكار التي تبدو في المجتمعات وتكون مرتبطة بها.
والثقافة وإن ارتبطت بالحضارة ولم يفصل البعض بينهما إذ اعتبر «رالف بيلز» في كتابه« مقدمة في الأنثروبولوجيا العامة» أن الحضارة هي بلوغ مجتمع ما درجة من التمكن في بعض مجالات المعرفة كالفن والموسيقى والأدب...لذلك يمكن أن تصبح ترفا، إذ يقول ابن خلدون في المقدمة «والحضارة إنما هي تفنن في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه من المطابخ والملابس والمباني والفرش والأبنية....ويبلغ فيهم الترف غايته بما تنكبوه من النعيم وغضارة العيش» ومثال الأندلس ليس منا ببعيد حيث أصبحت الثقافة ترفا، ففي كل العصور التي ازدهرت فيها الحضارات تهافت الشعراء والمغنون والفنانون التشكليون وغيرهم من المبدعين والمنتجين للفعل الثقافي على بلاطات الملوك والأمراء وقصور الوزراء والولات والأثرياء.
غير أن الثقافة وإن كاتت ترفا أو وظفت للترفيه عن الطبقات الحاكمة فهي في حقيقة الأمر ضرورة للمجتمع، فهذا الأخير جماعة منظمة من الأفراد، والثقافة طائفة منظمة من الاستجابات المكتسبة يتميز بها مجتمع معين، والفرد كائن حي قادر على التفكير والشعور والفعل بذاته، لكن استقلاله الذاتي هذا مقيد، واستجاباته يشكلها تشكيلا جذريا الاحتكاك بالمجتمع والثقافة اللذين ينمو فيهما، فالثقافة قدرة تتجاوز مستوى الفرد علي تخليد نفسها، وعلى البقاء بعد انقراض أي من الشخصيات التي تسهم فيها، أو جميع الشخصيات التي سبق وأن أسهمت فيها خلال أية مرحلة من تاريخها، لأن الثقافة بامكانها ذلك نظرا لما تتسم به من قوة التأثير والسيطرة على شخصيات الأفراد الجدد الذين وقعوا تحت تأثيرها، لأنهم ولدوا فوجدوا أنفسهم داخل مجتمع له ثقافته الخاصة.
فالطفل يولد دون أن تكون له شخصية مميزة، ولكن خلال مراحل نموه تتكون لديه شخصية بسبب تفاعل امكاناته الفطرية مع محيطه الخارجي، ولما كان الطفل عضوا في المجتمع فان بيئته تتألف من التعبيرات الظاهرية للثقافة الخاصة بالمجتمع وبالشخصيات التي سبق وأن كونتها تلك الثقافة.
إذا فالثقافة بالنسبة للفرد والمجتمع، هي الشيء الوحيد الذي يربط الناس بعضهم ببعض، برباط حقيقي من الأفكار والمستويات التي يشتركون فيها وبالتالي فهي ضرورة للفرد والمجتمع. كاتب وشاعر تونسي