ما يزال الاحتقان والتوتر يشغلان التونسيين في صفحات الموقع الاجتماعي، وما تزال مخلفات المواجهات الدامية يوم عيد الشهداء في العاصمة تلهب المشاعر وتصنع مادة يومية متجددة للصراع الذي لا ينتهي بين التونسيين.
استمرت صفحات قريبة من النهضة في إطلاق معلومات تتهم اليسار المتطرف بالفتنة والتخطيط للاعتداء بالعنف على قوات الأمن، كما تم نشر صور لمسيرات صغيرة نظمها تجار وسط العاصمة يتمسكون فيها بتطبيق قرار وزير الداخلية بمنع التظاهر في الشارع الرئيس. وظهرت يوم أمس أيضا مقاطع فيديو لضباط أمن «يتوسلون للمتظاهرين» كما جاء في تعليق مرافق، قبل استعمال القوة، لكن صور العنف الذي مارسه أعوان الأمن على المتظاهرين كانت أكثر انتشارا وتأثيرا، وبدا أن جهاز الأمن قد وقع مرة أخرى في ورطة مع المتظاهرين وكشف أن الحل الوحيد الذي يملكه حتى بعد الثورة هو العنف. إن الصور التي تسجل ما تعرض له مناضلون معروفون بنضجهم السياسي ومصداقيتهم مثل المناضل علي بن سالم مثلا تؤكد أن خطأ جسيما قد حدث يوم 9 أفريل. ونجحت صفحات اليسار والمعارضة في التوافق مع ناشطين معروفين بالحياد في نشر موقف يدين إفراط قوات الأمن في العنف، كما لقي موضوع المجموعات التي ترافق وتساند أعوان الأمن الكثير من التعاليق، حيث يتهم نشطاء المعارضة وزارة الداخلية بالاعتماد على مليشيات مدنية لقمع المتظاهرين. ولم تفلح صفحات نشطاء النهضة في نفي تهمة الاعتماد على المليشيات بالنظر إلى كثرة الصورة التي تسجل حضور أشخاص مدنيين مسلحين بالعصي دون أن تظهر عليهم علامات الانتماء إلى سلك الأمن. يكتب حقوقي معروف بحياده ومصداقيته عن هذا الموضوع في صفحته: «من واجب أي عون أمن بالزي المدني أن يضع شعار الدولة سواء على ذراعه أو بارتداء صدرية واضحة عندما يتدخل لتنفيذ الأوامر، وإلا سوف تكون فوضى، ومن يضمن لنا أن لا يندس المندسون بين أعوام الأمن ؟».
يستغل نشطاء اليسار أفضل استغلال هذه الأزمة، وكثيرون يواصلون التحريض ضد الحكومة والدعوة إلى إسقاطها، ويمتد التوتر والاحتقان إلى الجهات، حيث تتالى في الصفحات التونسية أخبار الإضرابات والاحتجاجات وتكررت مقالات من نوع «مسيرات حاشدة»، بالإضافة إلى بيانات التنديد والإعلان عن المزيد من الإضرابات في الشارع الرئيس في أجواء تكشف عن درجة الحقد المتبادل بين طرفي النزاع السياسي في تونس. وعبر عشرات الصفحات التونسية، يصعب العثور على مواقف وسطية تدعو إلى التعايش السلمي على الأقل، وكتب زميل يعمل في دولة خليجية: «الصفحة الوحيدة التي غابت عنها الشتائم وعبارات التخوين هي التي تعنى بالكرة، اكتشفت فيها أن درجة العنف اللفظي بين الترجي والإفريقي أقل حدة مما بين النهضة واليسار».
ومن خلال الصفحات المسيسة أيضا، نكتشف أننا مقدمون على أيام عصيبة بالنظر إلى دعوات كثيرة للمزيد من المسيرات الاحتجاجية والإضرابات عن العمل في الأيام القادمة. كما لاحظنا استعدادا كبيرا لدى صفحات المعارضة وخصوصا اليسار للدعوة إلى إضرابات حاشدة في وسط العاصمة يوم غرة ماي، وإذا كان الكثير من مطالب هذه الدعوة معقول وله معنى سياسي، فإن بعضها الآخر لا يتضمن سوى الفوضى مثل الدعوة إلى إسقاط الحكومة، وتعطيل الحياة العامة في البلاد.