يستعد الفرنسيون لانطلاق الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقررة اعتبارا من يوم الأحد القادم، وككل حملة انتخابية تبرز مسالة المهاجرين العرب كقضية مركزية للمرشحين المتنافسين على كرسي الرئاسة في قصر «الايليزيه».
ففيما ينتقد الرئيس نيكولا ساركوزي عدم قدرة المسلمين على الاندماج في المجتمع الفرنسي، يقترح منافسه الاشتراكي فرنسوا هولاند «العفو» عن المهاجرين غير الشرعيين والغالبية منهم مسلمة.
ويقدّم هولاند نفسه على أنه «مرشح الاحترام والحوار والديمقراطية» الذي سيعطي وجها آخر لرئاسة الجمهورية، وهذا ما حاول التعبير عنه من خلال مشاركته في مراسم ذكرى مذبحة الجزائريين في باريس، حاملا بيده وردة على غرار ما فعل الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران عام 1981، مع ما لذلك من دلالات، من ورائها كسب أصوات نحو 900 ألف ناخب من أصول جزائرية.
«حرب الذاكرة»
وجدد هولاند مغازلته للجزائريين والعرب المهاجرين من خلال مقال نشره الاثنين الماضي في صحيفة «الوطن» الجزائرية بمناسبة الذكرى الخمسين لتوقيع اتفاقيات ايفيان 1962 التي مهدت لاستقلال الجزائر، أنه يريد القطع مع «حرب الذاكرة» (القراءات المختلفة للتاريخ) بين فرنساوالجزائر.
وكتب هولاند «على فرنساوالجزائر القيام بعمل مشترك بشأن الماضي لانهاء «حرب الذاكرة»» من أجل «المرور الى مرحلة اخرى لمواجهة التحديات المشتركة في منطقة البحر الابيض المتوسط».
ويأمل مرشح الحزب الاشتراكي الفرنسي لانتخابات الرئاسة الذي كان زار الجزائر العام الماضي بدعوة من جبهة التحرير الوطني الجزائرية، ان «يبني البلدان المستقبل معا». وأشار هولاند في مقاله الذي نشرته صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية في الصفحة الاولى، الى «حرب قاسية» شكلت «فترة حاسمة من التاريخ المعاصر».
وتحدث عن سقوط الجمهورية الرابعة في فرنسا وعن ارسال 1.5 مليون جندي فرنسي الى الجزائر، ومقتل 30 الفا منهم وكذلك وصول الاقدام السوداء (الفرنسيون الذين ولدوا في الجزائر خلال 132 عاما من الاستعمار) الى فرنسا بعدما «اقتلعوا من الارض التي ولدوا فيها» بالاضافة الى «قتل الاف الحركي (جزائريون قاتلوا الى جانب الجيش الفرنسي) الذين ظلوا اوفياء لفرنسا».
وتحدث هولاند مطولا عن «تدمير مئات القرى واجبار مليوني فلاح على ترك أراضيهم» في الجزائر، وكذلك «مقتل مئات الاف من الجزائريين». وأضاف «اليوم بين الاعراب عن الندم عن الاستعمار الذي لم يعبر عنه البتة او الركون الى النسيان وهو بالتأكيد خطأ، هناك مجال لنظرة ثاقبة ومسؤولة لماضينا الاستعماري وللتقدم بثقة باتجاه المستقبل».
وقال «من واجبنا ان نقوم بذلك من اجل من سبقونا حتى تهدأ أنفسهم، يتخلصون من الذكريات القاسية وكذلك من اجل شبابنا لان العمل على الذاكرة لا معنى له إلا إذا لم يشكل أملا للمستقبل».
وتوجه هولاند للبلدين داعيا الى استغلال «الاشياء الكثيرة المفيدة والجميلة التي يمكن القيام بها برؤية مشتركة تقوم على الاحترام ولكن أيضا تجاوز الماضي. ونشر هولاند مقاله في ذكرى مرور 50 سنة على اتفاقيات ايفيان (على الحدود الفرنسية السويسرية) الموقعة في 18 مارس 1962 والتي مهدت لاستقلال الجزائر في 5 جويلية 1962 بعد سبع سنوات ونصف من القتال لانهاء 132 سنة من الاحتلال الفرنسي.
وغالباً ما انتقد فرنسوا هولاند، تصريحات وزير الداخلية كلود غيون المناهضة للمسلمين ، فحين أعرب غيون في 54 2011 عن خوفه من تزايد عدد المسلمين في فرنسا، واصفاّ ذلك ب«المشكلة»، رد هولاند عليه بالقول: «في كل مرة يدلي كلود غيان بتصريح منذ تعيينه وزيرا للداخلية يحصل جدل..فالتحدث عن المسلمين هو شغله الشاغل». وانتقد هولاند أداء وزير الداخلية الذي يميز بين المواطنين الفرنسيين على أساس معتقداتهم، وهو ما يرفضه الدستور الفرنسي.
مقابل زج قضية المسلمين في المنافسة السياسية، يعلو صوت المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والذي طالب مرشحي الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بعدم استخدام الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية، فقد حذر رئيس المجلس محمد موسوي في أكثر من مناسبة من اتخاذ المسلمين «مطية لتحقيق مآرب انتخابية».
وشدد على أن الحملات الانتخابية ينبغي أن تركز على عدد من الأولويات السياسية التي تهم كافة المواطنين بصرف النظر عن الديانة والعقيدة... وهو ما يلزمه القانون الانتخابي الفرنسي والدستور.