أعاد مقترح السيّد رئيس الوزراء بإنشاء «مجلس للحكماء» الاعتبار إلى رهان الوفاق بين مختلف الفاعلين السياسيين في البلاد بما يتلاءم مع حاجيات المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها المرحلة الثانية من تجربة الانتقال الديمقراطي. شهدت الأسابيع الأخيرة حالة شد وجذب بين السلطة والمعارضة، وعرفت الساحة العديد من مظاهر التوتّر الّتي هدّدت في الكثير من الأحيان الحريات والحق في الاختلاف ومسّت من مناخ السلم الاجتماعي المأمول لاستنهاض مسار الحياة المعتاد وتنشيط الاقتصاد الوطني وبدء تنفيذ برنامج الدولة لسنة 2012. المقترح الحكومي الجديد ، على غاية من الأهميّة وهو يقتضي فعلا سُرعة الانجاز والتفعيل على أرض الواقع وأن لا يبقى حبرا على ورق، فمن جهة أطياف المعارضة تؤكّد تضايق السلطة من النقد ورفضها المقترحات وإصرارها على الهيمنة والانفراد بتسطير أجندة العمل الوطني ، ومن جهة أخرى تذهب السلطة إلى اتهام تلك المعارضة بالسعي لتوتير الأوضاع والركوب على المطالب الاجتماعيّة والتنمويّة وتعمل لإفشال برنامجها «التاريخي والطموح». حالة التجاذب هذه والّتي لم تعد خافية على أحد، تستدعي فعلا طرفا ثالثا مُحكّما في نزاعات السلطة والمعارضة، طرف من المفترض أن يكون مُحايدا وبإمكانه أن يفصل في ما قد يقعُ فيه طرفا العملية السياسيّة ، أي السلطة والمعارضة، من خلافات أو تباينات عميقة في تشخيص الواقع وضبط الأولويات ورسم خطط وبرامج العمل الكبرى. إنّ الواقع الراهن في البلاد يحتاجُ فعلا إلى تغليب المصلحة الوطنيّة فوق كلّ تجاذب حزبي أو إيديولوجي، فأمام مشهد انعدام الثقة وحالة التشكيك المتواترة والتي أفضت إلى واقع فيه الكثير من الاتهامات وانسداد آفاق الحوار المثمر والبنّاء، ليس هناك إلاّ طريقُ الحكمة سبيلا لتجسير الهوّة بين الفرقاء وتقريب الأنفس إلى بعضها وتجنّب الاضطرابات وتعكير الأجواء. إنّ «مجلس الحكماء» – إن كُتب له التحقّق- سيكون فعلا إطارا ممكنا في نهج البحث عن الوفاق وتجاوز النقاط الخلافيّة التي قد تُعطّل – لا قدّر الله- مسار الانتقال الديمقراطي ، والتونسيّون قادرون على انجاز هذا المكسب ، وربّما الانطلاق منها لوضع لبنة لمؤسّسة وطنيّة جديدة تُكرّس للأجيال القادمة فلسفة الاستئناس بآراء وتوجيهات «الكبار» من العقلاء والحكماء، الّذين لهم من التجربة والخبرة ما به يكونون قادرين على الاستماع إلى الفرقاء السياسيين وإعطاء كلّ ذي حقّ حقه في سياق حضاري تنخفضُ فيه الاتهامات والتجاذبات والادعاءات الباطلة من هذا الطرف أو ذاك ، وتنكشفُ فيه نوايا المفسدين والمعطلّين والمشدودين إلى المصالح الضيّقة...فهل يكسبُ التونسيّون رهان الحكمة؟.