:النظام الديمقراطي الحقيقي يفترض شروطا معينة.. - الإطاحة بنظام استبدادي والانعتاق من الطغيان ونيل الحرية والقيام بثورة اعتبرت قاطرة الربيع العربي.. لا نعتقد أنه كفيل لوحده بضمان حياة ديمقراطية ناجحة وتستجيب للقيم الثورية، فاليوم نحن في وضعية على مرمى حجر من الديمقراطية، لسبب بسيط هو التباس الأدوار وعدم توفر الشروط الكفيلة بإرساء نظام ديمقراطي حقيقي.. الدكتور عبد الجليل بوقرة يرى أن للنظام الديمقراطي شروطا وللمعارضة أدوارا لتحقيق تداول سلمي على السلطة ويؤكّد أنه «لا بدّ من توفر شروط لإنجاح التجربة الديمقراطية وضمان ديمومتها وعدم انتكاستها وعدم التراجع على هذا المكسب فالكثير من الدول قامت بالخطوات الأولى في اتجاه الديمقراطية لكن سرعان ما انتكست لأنها لم تأخذ بأسسها.. والديمقراطية هي علاقات بشرية بالأساس تهمّ المجتمع برمته، وليست مجرّد ملف إداري يعالج بقرار فوقي وتنفذ بإجراءات سريعة.. هي في المطلق وعي وثقافة ولا يمكن أن تطبّق على مجتمع ذهنيته تستبطن الاستبداد ورفض الآخر.. شروط قيام نظام ديمقراطي.. ومن بين الشروط التي ينبغي توفرها لضمان وجود نظام ديمقراطي حقيقي يقول الدكتور عبد الجليل بوقرة «دور المجتمع السياسي والمدني يتمثّل في توفير الضمانات والشروط كي نوفر نجاح هذه التجربة الديمقراطية الوليدة.. وهذه الشروط دون ترتيب مقصود أذكرها: - ضرورة وجود أحزاب قوية في هذا السياق، أتذكّر تصريحا لراشد الغنوشي سنة 1990 عندما غادر تونس الى أوروبا يقول فيه أن من شروط نجاح الديمقراطية ضرورة وجود حزب قويّ معارض لحزب التجمّع الدستوري الديمقراطي.. وهذا الحزب القويّ يقول الغنوشي هو حزب النهضة وأنا أشاطره الرأي بأنه لا يمكن أن تنجح الديمقراطية في ظل وجود حزب كبير يصل إلى حدّ التغوّل في مواجهة أحزاب مشتتة وصغيرة ومحدودة التأثير لأن الديمقراطية هي التداول السلمي على الحكم، أي حزب يحكم ويعارضه حزب جاهز للحكم، له فريق حكومي وبرامج اقتصادية واجتماعية جاهزة. - القضاء المستقل عن الأحزاب السياسية وعن السلطة التنفيذية، لأنه على سلطة القضاء ضمان علوية القانون.. - مؤسسة أمنية مستقلة أي غير مسيّسة بالمعنى الحزبي وليس لها ولاء لحزب معيّن ومحايدة وتعمل على تكريس أمن المواطن وأمن المجتمع بمهنية عالية وكذلك بحياد واستقلالية عن رجال المال. - الإعلام المستقل أيضا تجاه السلطة والأحزاب وسطوة المال. - الإدارة المحايدة التي تضمن ديمومة الدولة وهيبتها.. لنضمن كذلك استمرارية المرفق العام. - مجتمع مدني، نقابات وجمعيات تتمتع بمصداقية، ويتوفر لها بدورها حياد النقابات وعدم خدمتها لأجندا معينة، وتنأى بنفسها عن كل تجاذبات سياسية ولا تعمل إلا وفق قانونها الأساسي ونظمها الداخلية.. - مؤسسات مالية ومنها على وجه الخصوص البنك المركزي، غير خاضعة للتقلبات السياسية وللمزايدات الانتخابية فشرط المؤسسات المالية المستقلة والقوية شرط أساسي لنجاح الديمقراطية». حكومة بمهمة عون إطفاء اتهمت الحكومة بغياب البرامج واتهمت المعارضة بعرقلة المسار الانتقالي وبين هذا وذاك يقول د.عبد الجليل بوقرة «عندما نسمع برامج الأحزاب المعارضة نجد مجرّد شعارات وليست برامج، فالبرنامج الحزبي يقوم أساسا على معرفة دقيقة بالمعطيات الحيوية كالموارد الذاتية ومؤشرات البطالة والتمويل داخليا وخارجيا إلى غير ذلك من المؤشرات والمعطيات ذات الصلة بالميدان الاقتصادي والاجتماعي.. وهذه الشروط أعتقد أنها غير متوفرة لأن 14 جانفي قد فاجأ الجميع وأربكهم، فأغلب الأطراف السياسية لم تتمكّن من إعداد برنامج مقنع ومتكامل وقابل للتنفيذ.. الجميع كان يلهث وراء الكراسي، وصلت النهضة أوّلا وواصل البقية لهاثهم على الكراسي عوض أن يراجعوا أنفسهم، فما نراه اليوم هو حكومة تكاد تكون عون إطفاء شغلها الشاغل إطفاء كل فتيل يهدّد بالانفجار.. ومعارضة تردّ الفعل ولا تبادر، تنتظر أيّ أزمة لردّ الفعل ونحن نتابع حاليا تدنّي مستوى الحوار سواء داخل التأسيسي أو على المنابر الإعلامية..» وبقطع النظر عن جلسة الحوار مع الحكومة التي كنت أفضّل أن لا تنسحب المعارضة منها بل تبقى وتسجّل موقفها وتحاول إثارة المشاكل الحقيقية وطرح البدائل ليتسنى لها في ما بعد محاسبة الحكومة ومراقبة أدائها بفاعلية.. والمفروض اليوم على الفرقاء أن يجتمعوا ويتوافقوا بالبحث سويا عن الوفاق، فتونس تعيش سلسلة لا تنتهي من المراحل الانتقالية والمؤقتة وهو مؤشّر لا يبعث على الاستقرار.. ويجب أن نتجند جميعا لترسيخ التجربة الديمقراطية خاصّة بالنسبة للأجيال الصاعدة ّ.
المعارضة في عيون الشارع التونسي: استحسان.. امتعاض.. ووعي أكيد بأهمية دورها طوال سنين والمعارضة الحزبية في الدول العربية متهمة بعجزها عن إحداث تغييرات أو بلوغ تطلعات الرأي العام وهو ما تستغله الحكومات الديكتاتورية لإقناع شعوبها بعدم جدوى المعارضة.. واليوم في تونس وفي خضمّ تجربة ديمقراطية وليدة : هل ارتقت المعارضة بعد الثورة الى مستوى ما ينتظره منها الشعب؟ هل طوّرت أداءها أم هي مجرّد امتداد لمعارضة بن علي؟ أسئلة أجاب عنها الشارع من خلال هذا الريبورتاج.. الهاشمي الدوزي 48 سنة (باحث في القانون): «كنت أتمنى أن تكون لدينا معارضة متماسكة قادرة على الضغط او التغيير، ولديها بدائل واضحة، لكن مع الأسف لا يمكن أن نعتبر ما يسمون أنفسهم بالمعارضة معارضين، بل هم مجموعة من المهرجين الذين لم يرتدوا بعد جلباب المعارضة الحقيقية التي يتمناها الشعب، ومازالوا متأثرين بهزيمة الانتخابات». ماهر هذلي 45 سنة (موظف): «تنقسم المعارضة في تونس الى صنفين، معارضة تحت قبة التأسيسي، وهي معارضة ضعيفة اهتمت بالشكليات والتفاهات وتركت دورها الحقيقي في الدفاع عن حق المواطن والوقوف بجدية على أخطاء الحكومة، أما بالنسبة للمعارضة الأخرى والتي تتمثل في أحزاب منهزمة في الانتخابات أو مجتمع مدني، فأظن أنها لم تفهم بعد الدور الحقيقي للمعارضة ولم ترتق بعد إلى مستوى الشعب وطلباته». عادل مازي 43 سنة (موظف بوزارة المالية): «المعارضة بأصنافها وأنواعها هي امتداد لمعارضة بن علي ولم يتجاوز دورها المضي عكس التيار أي انها تعارض لمجرد تسجيل حضورها ولم نشاهد أيّ موقف جديّ يبشرنا بولادة معارضة حقيقية تمناها الشعب، وهو ما قد يؤثر سلبا على الوضع السياسي في البلاد». أمير أيمن عفاس 29 سنة (مهندس بشركة خاصة): «المعارضة مريضة و لا يمكن لها ان تنال شرف المعارضة الحقيقية التي تستطيع التغيير فمنذ بداية المداولات في المجلس التأسيسي وهي تتخبط في حلقات مفرغة ولم تات لا بالبديل ولا حتى بضغط أنجب نتائج لصالح المواطن. فإلى أين يا معارضين؟» كمال الحجام 60 سنة (موظف): «أعتبر أن المعارضة حادت عن مسارها وتجاوزت كل صلوحياتها وضعفها، وعليها العودة للجادة وفهم مطالب الشعب وترك كل الحسابات الضيقة. حمدي بالحاج يوسف 38 سنة (موقع حزب العمال الشيوعي): « لا يمكن أن ننفي الدور الكبير الذي تقوم به المعارضة داخل وخارج المجلس التأسيسي ويجب أن لا ننسى أننا في بداية الطريق نحو صنع الديمقراطية كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الضغط التي تقوم به الأغلبية لتقزيم المعارضة. وحيد الطرابلسي 22 سنة (عامل بشركة): «كل الديمقراطيات في العالم من صنع المعارضة وليست من لدن الحكومة، ورغم أن النتائج ليست في مستوى تطلعات الشعب إلا أن المعارضة في تونس بدأت تتخلص من تقاليد قديمة وانطلقت حسب رأيي إلى طور البناء رغم محاولات الأغلبية لتشويهها وعرقلتها وتقزيمها. محمد حمدي 27 سنة (عاطل عن العمل): « الواقع السياسي في بلادنا والتطورات الخطيرة التي جدّت مؤخرا تعكس ضعف الحكومة من جهة وتبين نقائص المعارضة وعدم جديتها في التعامل مع الملفات العاجلة التي ينتظرها الشعب. سهيل الفرشيشي 40 سنة (موظف بالخطوط التونسية): «بعد مرور حوالي 3 أشهر من انطلاق العمل في المجلس التأسيسي ونحن نشاهد الأغلبية المتمثلة في الترويكا وهي تقمع المعارضة وتسلط عليها الشعب وتحرمها من كل حقوقها، ورغم ذلك بلغتنا أصوات المعارضة التي أعتبرها في المسار الصحيح وقادرة على فرض آرائها». أشرف الطبيب
أحمد بن صالح :الكل مطالب بالعمل الجدي .. وكفى مهاترات «وسخت» الثورة كان بناء دولة الاستقلال عملا شاقا استنزف طاقات كبيرة لعدد هام من رجال تونس الوطنيين والبررة.. لم يكن الانعتاق من الاستعمار هو النتيجة النهائية، بل بداية التحدّي لتأسيس دولة ولدت من رحم العدم.. اليوم نحن نملك الأرضية لكن ربما لا نملك إرادة التأسيس.. «الأسبوعي» حاورت أحمد بن صالح الشاهد على عصر بناء الدولة منذ لبناتها الأولى وكان أحد صناع هذه الدولة.. اليوم يقف أحمد بن صالح على مسافة المراقبة لمرحلة التأسيس التي لم تكن من العدم بل من تراكمات تجارب في هذه المرّة. حول مرحلة التأسيس ودور المعارضة يقول أحمد بن صالح «أعتقد أنه وحسب ما نشاهده يوميا من تجاذبات ومدّ وجزر في الحياة السياسية لا ندري حقيقة من يحكم ومن يعارض.. هناك ضبابية والتباس كبير على مستوى الأدوار التي تتقاطع غالبا وتتداخل لكن دون أن نرى لها نتائج مثمرة ونافعة للبلاد والعباد. وقد أضاعنا الكثير من الوقت لتهدئة الخواطر وإطلاق الشعارات الرنانة على حساب تحقيق أهداف الثورة.. فنحن اليوم نتساءل أين الثوار، ماذا فعلنا بهم وبأنفسنا؟ والمعارضة عليها أن تشمّر على ساعد الجدّ والكدّ وتتحمّل مسؤولياتها في إيجاد الحلول والبدائل الممكنة للأزمات الخانقة التي تعيشها البلاد لأن ذلك ستستغله في ما بعد كرصيد انتخابي ولن يضيع مجهودها متى كاشفت الرأي العام به.. أمّا الاتهامات المتبادلة بين الحكومة والمعارضة من لقاءات بسفراء دول أجنبية إلى غيرها من مهاترات فقد «وسّخت» الثورة.. فاليوم تقف «الزنقة للهارب» ولا بدّ لكل السياسيين الوعي العميق سواء كانوا نوابا بالتأسيسي أو وزراء أو أحزاب معارضة، إنه لم يعد هناك متسع إلاّ للعمل الجديّ والمثمر، إلى أن نتجاوز هذا الظرف الحسّاس ونعدّ دستورا ينظّم بشكل حاسم الحياة السياسية».