يمرّ الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم 1 ماي على محكّ صعب وعسير، محك يتقاسمه ثالوث «الحكومة» و«حركة النهضة» و«المعارضة»، فإمّا أن يكسب الرهان وإمّا أن يخيب. كان الاتحاد العام التونسي للشغل وما يزال القوّة الصعبة في المشهد التونسي من حيث قدرته على الفعل والتأثير في مجريات الأحداث، وحيث كان الاتحاد حاضرا في مختلف المحطّات التي عرفتها بلادنا منذ فترة الاستعمار إلى حدود يوم 14 جانفي حيث كان الرقم المميّز في الاحتجاجات التي أطاحت بنظام بن علي ، فإنّ الأنظار تتّجه الآن إلى الموقع الّذي سيحتلّه «الاتحاد» في الحراك السياسي الجاري حاليا خاصة بين الحكومة وطرفها الأقوى أي حركة النهضة والمعارضة . احتفالات اليوم ، وخاصة مسيرة شارع الحبيب بورقيبة ، ستكون المحك الحقيقي لكشف جزء من تلك المعادلة الصعبة التي وجد «الاتحاد» نفسهُ فيها ، فبين «مُعارضة» مشتّتة وضعيفة وغير مهيكلة بالقدر اللازم وبين «حكومة جديدة» تسعى لفرض هيبتها والتمكين لبرامجها وتصوّراتها يجدُ «النقابيّون» أنفسهم بين من يدفعهُم ليكونوا قطب حراك ضدّ السلطة القائمة أملا في إيجاد توازن يؤهّل الطيف المعارض الحالي لخوض المنافسات الانتخابيّة القادمة بغير ما جرت عليه انتخابات 23 أكتوبر الفارط وبما قد يوفّر بعض الأمل. الرهان الأكبر للاتحاد العام التونسي للشغل هو أن يكون مظلّة تستظلّ تحتها كلّ التيارات السياسيّة والحزبيّة كما كان حاله في السابق ، اتحادا مجمّعا يعلو على كلّ الألوان الإيديولوجيّة والعقائديّة ويحقّق في جانب كبير معنى «الوحدة الوطنيّة» في النضال من أجل حقوق العمّال والشغالين والدفاع عن قيم الحريات وغيرها من المبادئ والفسلفات الّتي هي محلّ إجماع بين كلّ الفاعلين السياسيّين والحزبيّين. لا اختلاف في القوّة الّتي يمثّلها «الاتحاد العام التونسي للشغل» من حيث الامتداد الشعبي والجماهيري وكذلك القوّة الكامنة فيه للاحتجاج وتحريك الشارع في هذا الاتجاه أو ذاك ، وبالتجربة كان الاتحاد «شوكة» في حلق الاستبداد والدكتاتوريّة ويكفي للتدليل على ذلك أنّ مسيرة يوم 14 جانفي 2011 انطلقت من ساحة محمّد علي بالعاصمة وأنّ المراكمة الهامة في الإطاحة بنظام بن علي كانت الإضراب العام الّذي دعا له الاتحاد الجهوي بصفاقس يوم 12 جانفي 2011. ربّما تخطئ الحكومة اليوم، وغدا، أنّها قادرة على تدجين المنظمة النقابيّة وثنيها عن أداء مهامها الوطنيّة في تعزيز المناخ الاجتماعي وتحسين ظروف الإنتاج والدفاع عن حقوق الشغالين، ولكن أيضا من المؤكّد أنّ الأحزاب السياسيّة، الموجود منها في الحكم وفي المعارضة أيضا، لن يكون بإمكانها أيضا «تركيع» الاتحاد ليخوض مكانها صراعا سياسيّا أو إيديولوجيّا مداره السلطة. ليس «الاتحاد» من وضع نفسه قبالة هذا التحدّي وهذا الرهان الصعب، في هذا الوقت الصعب، ولكن القوى التي تتنازع الحياة السياسيّة هي الّتي ترمي اليوم بأكبر منظّمة وطنيّة في فوهة «الصراع السياسي» في محاولة لكسب ودّها واستمالتها لهذه الأجندة أو تلك. حتّى في أكبر لحظات ضغط نظام بن علي لم يرضخ «الاتحاد» – في عموم مسيرته - لمساومات السلطة السياسيّة وأمكن عبر منهجيته التفاوضيّة من تحقيق مكاسب للعمّال من أبرزها مسار التفاوض الاجتماعي كلّ ثلاث سنوات والّذي لم يغب على مدار العقدين الفارطين. «الاتحاد» عصي عن التوظيفات السياسيّة ، أو هكذا هو يبدو، واليوم هو مدعوّ أكثر من أيّ وقت مضى لكي يذهب بالقوى السياسيّة، في الحكم والمعارضة، بعيدا حيث الوحدة والانسجام خلف شعارات تخدم أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي ، والقوى السياسيّة بجميع أطيافها عليها أن تنتصر هي الأخرى إلى روح الوحدة الوطنيّة الّتي يُمكن «للاتحاد العام التونسي للشغل» أن يكرّسها اليوم ، وهي غايات مهمّة لخفض درجات التوتّر والصدام والتجاذب بين مختلف القوى في الحكم والمعارضة. ستقفُ «المنظمة الشغيلة» في وجه كلّ السياسات الخاطئة للسلطة خاصة في ميدان حقوق العمال والحريات الأساسيّة ومنها حريّة التعبير والتظاهر ، دون أن يعني ذلك صدامها مع هذا الحزب السياسي أو ذاك ، ففي هياكل الاتحاد مركزيّا وجهويّا ومحليّا مناضلون من كلّ التيارات السياسيّة ، ولا يُمكن لتركيبة نقابيّة أن تُغلّب المعطى الإيديولوجي على المعطى النقابي الوطني ، وفي هذا الصدد يٌمكن الإشارة إلى ترحيب قيادة الاتحاد بإعلان مختلف الأحزاب الانخراط في مسيرة اليوم دون أن يعني ذلك رضوخا لاشتراطات أيّ منها ، فالاتحاد هو القاطرة المجمّعة وهو الأفق العقلاني في تغليب الشأن العام على المصالح الضيّقة حزبيّة كانت أم فئويّة. الاتحاد ليس معنيّا بالتوازن السياسي في البلاد ، سيكون مطالبا بالذود على مصالح منخرطيه وحماية مكاسب البلاد ومنها قيم الحريّة والديمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة. فهل «يكسب» الاتحاد اليوم رهانه الأبرز منذ 14 جانفي 2011؟ وهل «تُساعد» القوى السياسيّة النقابيين على إنجاح معركتهم تلك؟.