لا مجال للشك في أنّ أحداث 26 جانفي 1978 شكّلت في تاريخ تونس تحوّلا في كافة الميادين وُصف بأنّه تعبير عن طموحات الشعب بمختلف فئاته من الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين. ونحن إذ نحتفل هذه السنة بمرور 34 سنة على أحداث الخميس الأسود 26 جانفي 1978 فإنّ الذكرى تدفعنا إلى النبش في أغوار هذه الأحداث تكتشف أنّ أحد أبطالها الأفذاذ كان واحدًا منّا. الزعيم الحبيب عاشور مرّ من عدّة أبواب حاولنا أن نتحسّسها عبر اعداد من جريدة «الشعب» لسنة 1977 فكانت هذه المقتطفات وفاءً لروحه مع الاشارة إلى أنّ أعمدة الجريدة تبقى مفتوحة لكل الشهادات خاصّة وقد لمسنا عند النقابيين الذين تضرّروا خلال هذه الأحداث رغبات مؤكدة لفتح تحقيق تماشيا مع مبدإ العدالة الانتقالية وقرار المكتب التنفيذي في المطالبة باسترجاع كلّ الوثائق وفتح تحقيق. المنعرج الحاسم مثلّث سنة 1977 منعرجا حاسما في حياة النظام البورقيبي في مواجهة انبثاق مطالب ديمقراطية عبرت عنها تيّارات مختلفة من المعارضة: حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، حركة الوحدة الشعبية، الحزب الشيوعي وأقصى اليسار الحركة الاسلامية، اتحاد الطلبة. ولمواجهة الرابطة التونسية لحقوق الانسان المستقلّة عن الحزب وتجذّر النضال النقابي كان النظام يردّ بتصعيد القمع عاقدًا محاكمنات بتهمة بتهمة التآمر على أمن الدولة ضدّ مسؤولي الوحدة الشعبية وعلى وجه الخصوص المتهمين بجرائم رأي... (جدلية العراقة بين النضالين الوطني والاجتماعي في تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل). إذا كانت هذه هي الصورة التي كانت تخيّم على تونس في تلك السنة فإنّ خريف سنة 1977 كان بالنسبة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل المنعطف الحقيقي في تجسيد اختيارات الاتحاد في استقلاليته وذاتيته ويبرز هذا التوجه بالخصوص في اجتماع الهيئة الادارية إلى الاتحاد العام التونسي للشغلا يوم 20 سبتمبر عندما ذكر الأخ الحبيب عاشور أمام أعضاء الهيئة الادارية أنّه قال إلى بورقيبة: «إنّ الاتحاد العام التونسي للشغل لا يعمل ضدّ الوحدة القومية اذ هو يعرف قيمتها جيّدا وترعرعت حول تضحيات الاتحاد ولهذا فإنّه لايعقل أن يخربها ولكنّنا نرى ان الوحدة القومية لا يمكن ضمانها دون عمّال أقوياء». وقال عاشور في نفس الاجتماع «هناك فئات اجتماعية غير عمّالية تؤيد الاتحاد وتكتب المقالات لفائدته ولكن الاتحاد لا يسيّره إلاّ قادته وهياكله النقابية ولا يسمح لأحد بالتدخل في شؤونه الداخلية... (الشعب 23 سبتمبر 1977). اللقاء مع بورقيبة استقبل الرئيس الحبيب بورقيبة صباح السبت 17 سبتمبر السيدين الهادي نويرة الوزير الأول والطاهر بلخوجة وزير الداخلية والأخ الحبيب عاشور الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وقد أدلى الأخ الحبيب عاشور بتصريح جاء فيه «لقد استقبلنا الرئيس الحبيب بورقيبة أنا والوزير الأول ووزير الداخلية وتحدّث إلينا في تأثّر بالغ داعيا إيانا الى أن نضع المصلحة العليا للأمّة فوق اعتبار كمنا كان الشأن في الماضي وذلك بتعزيز الوحدة القومية وبالعمل لما فيه مصلحة مجموع الشعب التونسي وإنّي أرى أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل الذي عمل دوما في هذا الاتجاه سيواصل العمل بما فيه مصلحة الشغالين والأمة...» (الشعب 23 سبتمبر 1977). نرفض أن يُراق دم العمّال في اجتماع المكتب التنفيذي الموسع للاتحاد يوم 5 نوفمبر 1977 بين الأخ الحبيب عاشور في ضوء تجاذبات الساحة السياسية والنقابية وفي سياق اختراق مصالحة يوم 3 نوفمبر من طرف الحزب والحكومة بين: «أنّ الاتحاد يرفض رفضًا باتًا أن يُراق دم العمّال وأنّ قوّة الاتحاد فهي في توحيد كل الاتجاهات السياسية المتواجدة بداخله على أن يكون هذا التوحيد مرتكزا على الحريّة والديمقراطية». (الشعب 11 نوفمبر 1977) من الاحتجاجات ضدّ نيّة واعداد اغتيال عاشور اجتمع المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل صباح الاثنين 7 نوفمبر 1977 حيث تدارس التطورات الداخلية ومعطيات القضية المتعلّقة بنيّة واعداد اغتيال الأخ الحبيب عاشور الأمين العام للاتحاد وعاد المكتب التنفيذي للاجتماع صبيحة الثلاثاء 8 نوفمبر وأصدر بلاغًا دعا فيه الهياكل النقابية التي قرّرت القيام باضرابات للاحتجاج على نيّة واعداد اغتيال الأمين العام للاتحاد الى اليقظة والسّهر على اجتناب كلّ عمل تلقائي فوضوي وعدم الانزلاق أمام الاستفزازات مهما كان مصدرها والتمسّك بالانضباط والنظام وأن تكون هذه الاضرابات محدودة الزمن (الشعب 11 نوفمبر 1977). رفض الإرهاب وتجريم التفكير به في اجتماع الهيئة الادارية للاتحاد العام التونسي للشغل يومي 15 و16 نوفمبر أرجع الأخ الحبيب عاشور أسباب تدهور الوضع الى سوء التصرّف وغلو المعاش مبرزًا الدور الذي قام به الاتحاد في حلّ الخلاف التونسي الليبي مؤكدا أنّ الاتحاد نجح فيه فعلاً مما جعل رئيس الدولة يشيد بموقف المنظمة الشغيلة ويقول لأمينها العام انّ الاتحاد أدّى دوما دوره الايجابي في المواقف التاريخية. وقد صدرت عن الهيئة الادارية لائحة ندّدت بنوايا نشر الارهاب والاستعداد للتصفيات الجسدية مطالبة بوضع حدّ نهائي بمجرّد التفكير في مثل هذه الأساليب (الشعب 18 نوفمبر 1977). بداية العدّ التنازلي للانسلاخ من الحزب مداولات الهيئة الادارية ذهبت في تعاطيها مع الواقع ومستجدّات المرحلة إلى المطالبة بالانسلاخ عن الحزب وانطلاقه لموجة الاستنكارات في المنظمات النقابية العالمية للتهديد باغتيال عاشور. ذكرى الشهيد ومستجدّات المرحلة 5 ديسمبر 1977 احياء ذكرى اغتيال مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغلا الزعيم خالد الذكر فرحات حشاد في ظلّ فترات صعبة بلغت درجة كبيرة من الحدّة طبعتها ثلاثة أحداث هي أزمة ارتفاع الأسعار في شهر سبتمبر وأزمة أحداث قصر هلال في أكتوبر وأزمة أحداث قصر هلال في أكتوبر وأزمة التّهديد باغتيال عاشور في نوفمبر (الشعب 25 نوفمبر 1977). أولوية عاشور بعد مؤتمر المنستير انشغل الحبيب عاشور بإعطاء الأولوية لتدعيم المركزية النقابية لتصبح القوّة الشعبية الأولى على الساحتين الاجتماعية والسياسية للبلاد رغم موقفه الضعيف الذي تركه في مؤتمر المنستير وأثر عليه سلبا وقد كان هذا التوق منسجمًا وتوق العديد من الحساسيات السياسية والاجتماعية التي يئست من الحزب أو كان محكومًا عليها بالجمود في غياب إطار مؤسساتي شرعي قادر على استقطابها (رؤى عمّالية). محطّات تاريخية في حياة عاشور الحبيب عاشور من مواليد 25 سبتمبر 1913 بقرية العباسية بجزيرة قرقنة. أصدر في شهر نوفمبر 1944 مجموعة من المناشير أكّد فيها أهميّة مبدأ استقلالية العمل النقابي. استقبل الزعيم الحبيب بورقيبة في بيته سنة 1945 وهو في طريقه جلسة إلى مصر. أُلقي عليه القبض وأودع السجن مباشرة بعد خروج بورقيبة. كان أوّل كاتب عام للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس سنة 1946. كان وراء أحداث 5 أوت 1947 بصفاقس حيث أُصيب برصاص البوليس في محاولة لاغتياله وعند اعتقاله حُوكم بخمس سنوات سجنا وعشرة أعوام نفْيًا. قام سنة 1955 بدور هام في تنظيم مؤتمر الحزب الحر الدستوري الذي أوصل بورقيبة إلى الحكم. بعد مؤتمر الحزب وفي ظلّ خلافات في التوجهات نتج عنها تأسيس الحبيب عاشور للاتحاد التونسي للشغل. يذكر أنّ الحبيب عاشور قدّم استقالته من الديوان السياسي للحزب في خريف سنة 1977 أي قبل اضراب 26 جانفي 1978. يذكر أنّه استقبل في شهر جانفي سنة 1978 الزعيم الفلسطيني أبو إياد الذي عرض عليه وساطة لتفادي المزلق الخطير الذي تندرج نحوه البلاد وقبل قبل عاشور بهذه الوساطة إلاّ أنّ الوزير الأوّل الهادي نويرة رفضها وذهبت البلاد إلى أحداث 26 جانفي 1978 والتي على اثرها تمّ سجن عاشور ورفاقه في المكتب التنفيذي الوطني واعداد كبيرة من النقابيين من أعضاء الهيئة الادارية الوطنية.