ليفربول يعلن رسميا خليفة كلوب    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    رئيس الاتحاد يشرف على اختتام الصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    تحويل ظرفي لحركة المرور على مستوى جسري الجمهورية والقرش الأكبر    مطالبة بتوفير 10 مليارات وحصد التتويجات: هيئة «السي. آس. آس» تحت الضّغط    الدّورة الثّالثة لمؤتمر مستقبل الطّيران المدني: وزيرة التّجهيز تقدّم رؤية تونس في مجال الطّيران المدني في أفق 2040    الثلاثاء: حالة الطّقس ودرجات الحرارة    المسابقة العالميّة الكبرى لجودة زيت الزيتون بنيويورك 26 ميداليّة لتونس    ما هي الدول التي أعلنت الحداد العام على رئيسي ومرافقيه؟    المهدية .. الملتقى الوطني لفنون الصّورة والسّينما والفنون التّشكيلية .. عروض ثريّة للإبداعات والمواهب التلمذيّة    رئيس الحكومة في زيارة ميدانية للشمال الغربي للبلاد التونسية    سجن سنية الدهماني .. يتواصل    مع الشروق .. إدانة... بنصف الحقيقة    القيروان: انتشال جثة إمرأة من قاع فسقية ماء بجلولة    رقم مفزع/ من 27 جنسية: هذا عدد الأفارقة المتواجدين في تونس..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    التضامن.. الإحتفاظ ب3 اشخاص وحجز كمية من المواد المخدرة    الليلة: سحب عابرة ورياح قوية والحرارة تتراوح بين 16 و26 درجة    عاجل: وسائل إعلام رسمية: انتخابات الرئاسة في إيران ستجرى في 28 جوان    فقدان 23 تونسيا في'حَرْقة': ايقاف 5 متهمين من بينهم والدة المنظّم واحد المفقودين    مدير عام ديوان تربية الماشية: النحل يساهم في ثلث غذاء الإنسان    بنزرت تستعد لاستقبال أبناء الجالية المقيمين بالخارج    والي بن عروس: فخور ب"دخلة" جماهير الترجي وأحييهم ب"عاطفة جيّاشة"    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    النادي الصفاقسي : اصابة وضّاح الزّايدي تتطلب راحة باسبوعين    إضراب عن العمل بإقليم شركة فسفاط قفصة بالمظيلة    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    وزارة التربية: هذه هي الانشطة المسموح بها بالمؤسسات التربوية خارج أوقات التدريس    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    كيف قتل "رئيسي"..خطأ تقني أم ضباب أم حادث مدبر..؟    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    وزارة التشغيل تمدّد في آجال التسجيل في برنامج مساندة المؤسسات الصغرى المتعثرة إلى غاية يوم 16 جوان القادم    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني..من هو ؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة النقابية العمالية التونسية إلى أين؟ (1 من 3)
بقلم : محمد الصالح التومي
نشر في الشعب يوم 03 - 03 - 2007

مثّل ميلاد الحركة النقابية العمالية التونسية منعرجا في الحياة العّامة بالبلاد . فأمام وحشية الهجمة الإستعمارية بذاية من سنة 1881 على وجه التخصيص و بعد موجة المقاومة الضّارية و المشرفة في نفس الآن التي شهدتها جبال خمير و القيروان وصفاقس و مدن الجنوب التونسي، و بعد حركات التمرد التي قادها أبطال من طراز محمد الدغباجي و بشير بن سديرة اتجهت البنية السكانية التونسية الواقعة تحت الإحتلال إلى محاولة تنظيم دفاعها عن نفسها على أسس جديدة فكانت حركة الشباب التونسي بقيادة باش حامبة ثم جاء تأسيس الحزب الدستوري بزعامة عبد العزيز الثعالبي سنة 1920، لكنّ الجهود بقيت محصورة في اللّقاءات و الإجتماعاتالنخبوية الهادفة إلى بلورة «المطاليب» و محاولة تحقيق الإصلاحات، و لم تتحول إلى حركة شعبية فعلية، فكان ميلاد جامعة عموم العملة التونسية سنة 1924 منعرجا
كما سلف القول و بادرة جديّة و إيذانا برسم إتجاه صحيح في محاولة تعبئة القوى الشعبية لفائدة قضاياها.
فهي لقاء بين حركة عفوية للطبقة العاملة و بين نخبة مثقفة مؤمنة بقضايا الوطن و الشعب و ملتزمة بها. و هي نقل للصراع من الدوائر المغلقة للغرف و المكاتب إلى دوائره المفتوحة
حيث أصبحت المؤسسات الصناعية و المنجمية إلى جانب الشارع هي التي تشكل مسرح الأحداث.
كما أنّ أحد مؤسسيها على الأقل كان له برنامج إقتصادي و إجتماعي تعاوني
إذ وقع التخلي عنه مؤقتا... و لم تقع بلورته فقد شكل نبراسا باقيا و شمعة لا تزال مضيئة في الطريق.
ولكن الأهم من ذلك كله هو أن جامعة عموم العملة التونسيية كانت تأسيسا لمسار وطني إستقلالي في ميدان تحركها. فهي بإحداثها للقطيعة مع النقابات التي جاء بها المستعمر الغاصب في جرابه إنما كانت تعبيرا فريدا و سابقا لآوانه عن محاولة تجسيم الإستقلال المطلوب... على الأقل في ميدان الحراك الإجتماعي في إنتظار إفتكاكه في كافة الميادين الأخرى... لأن الإستقلال هو في الحقيقة سيرورة و جدلية متواصلة و ليست مجرد لحظة ذات إسم في التاريخ نكتفي بتمجيدها.
تأثير كبير في الحياة السياسية
فذلك الإستقلال النقابي هو ما تصدى لإنجازه محمد علي الحامي و فينودوري و أحمد بن ميلاد و مختار العيّاري و الطاهر الحداد في جهد حاول أن يواصله بلقاسم القناوي و محمد علي القروي مع التجربة النقابية الثانية سنة 1938، لتلقى الحركة النقابية العمالية أوج تحركها في هذا الإتجاه مع قيام فرحات حشاد و الحبيب عاشورومحمود
المسعدي و الفاضل بن عاشور بتأسيس الإتحاد العام التونسي للشغل ذات يوم من شهر جانفي 1946.
إن الأساليب التي تبنتها الحركة النقابية العمالية الوليدة قد أثرت في الحياة السياسية بالبلاد مما دفع بنخبة من القادة الشبان آنذاك بزعامة الحبيب بورقيبة
و صالح بن يوسف إلى الإنفصال سنة 1934 عن مؤسس الحزب المرحوم عبد العزيز
الثعالبي و تكوين الحزب الدستوري الجديد الذي استلهم بعض مناهجه من مناهج الرواد النقابيين و من الصدامية التي ميزت تحركاتهم.
غير أن هذه الظروف قد وضعت الحركة النقابية العمالية بتونس وجها لوجه و على الدوام مع الحزب الدستوري.
فقد كان اللقاذ بينهما غير رحيم. فلا الحزب الدستوري هضم وجود حركة إجتماعية خارجة عن نطاق تأثيره و لا الحركة النقابية قبلت - و هي محقة في ذلك - بالانضواء
تحت لوائه و ذلك نظرا لاختلاف الأرضية الإجتماعية و لتباين الأهداف بينهما.
و قد جرب الحزب الدستوري القديم سياسة النبذ و المقاطعة مع جامعة عموم العملة التونسية أمّا الحزب الدستوري الجديد فقد جرّب سياسة الإنقلاب سنة 1938
إذ أزاح بلقاسم القناوي و نصّب مكانه الهادي نويرة كاتبا عاما للجامعة العمالية الثانية فوأدها و منع تواصلها، ثمّ جرّب منذ ميلاد الإتحاد العام التونسي للشغل
سياسة الإختراق و جعل أنصاره يتموقعون في مختلف مواقع المسؤولية، و هذا التموقع هو الذي أدّى بعد 20 مارس 1956 إلى جملة من الوقائع يمكن تلخيصها على النحو التالي :
- إقرار الحركة النقابية بقيادة أحمد بن صالح سنة 1956 لبرنامج إقتصادي وإجتماعي مختلف عن توجهات الحزب الدستوري الذي آرتقى إلى الحكم مع نهاية الإستعمار المباشر في تلك السنة بالذات.
- آنقلاب الحبيب عاشور على الإتحاد العام التونسي للشغل و تأسيسه للإتحاد التونسيللشغل في ظروف خلافه مع أحمد بن صالح و خلاف هذا الأخيرمع الحبيب بورقيبة.
- التصالح بين أحمد بن صالح و الحبيب بورقيبة و التوصل إلى حلّ وسط بينهما يتمثّل في تحويل الحزب الحرّ الدستوري إلى حزب إشتراكي دستوري و مغادرة أحمد بن صالح للحركة النقابية و توليه وزارة المالية و التخطيط و إشرافه على «حركة تعاضدية...» إمتازت بالطابع القسري و لم تشمل غير صغار الفلاحين.
... والمسيرة متواصلة
وفاة النقابي أحمد التليلي في ظروف غامضة بعد كتابته لرسالته الشهيرة « رسالة
إلى بورقيبة» و التي ناهض فيها أسلوب الحكم الفردي.
- محاكمة الحبيب عاشور سنة 1965 و تنصيب قيادة غير منتخبة على رأس الإتحاد يتقدمها البشير بلاغة الذي كان واليا.
عودة الحبيب عاشور إلى قيادة الإتحاد سنة 1970و إعادة بناء المسار النقابي من جديد.
- بروز ما يسمى بالقوى العمّالية التونسية و هي منظمة نقابية لم تعمر طويلا أسسها
بعض الغاضبين على الحبيب عاشور بمساعدة الحزب الدستوري سنة 1977 و آنحلت مع أحداث جانفي 1978.
- وقوع أحداث 26 جانفي 1978 الأليمة، و تنصيب التيجاني عبيد و من معه على رأس الإتحاد، و إيقاف القيادة الشرعية و المطالبة أثناء محاكمتها بتسليط حكم الإعدام على الزعيم الحبيب عاشور.
- انتهاء المحنة و عودة القيادة الشرعية إلى المنظمة على مرحلتين تمثلت الأولى في تولي الطيب البكوش للأمانة العامة للإتحاد أمّا المرحلة الثانية فقد شهدت عودة الحبيب عاشور إلى رئاسته.
- هجمة ما يسمّى بالشرفاء و هم عناصر من ميليشيا الحزب الدستوري سنة 1985،
بإيعاز من محمد مزالي و محمد الصياح على مقرّات المنظمة العمّالية و تحطيمها و العبث بوثائقها.
- آنشقاق عبد العزيز بوراوي و جماعته عن الإتحاد العام التونسي للشغل و تكوينهم
بمساعدة الحزب الدستوري للإتحاد الوطني التونسي للشغل.
- ركون الحبيب عاشور و عبد العزيز البوراوي إلى التقاعد.
- آنعقاد مؤتمر سوسة للإتحاد العام في أفريل 1989 على خلفية آشتداد التأثير الإسلامويّ في المجتمع و توصل الحزب الحاكم بمناسبته إلى فرض نهج نقابي موال له بقيادة إسماعيل السحباني. [...]
- ازاحة إسماعيل السحباني ثمّ محاكمته فيما بعد بتهمة الفساد المالي و آنعقاد مؤتمر جربة سنة 2002 الذي طرح على نفسه برنامجا تصحيحيا و أعاد إلى الواجهة رموزا كان وقع إستبعادها.
- آنعقاد مؤتمر المنستير أواخر سنة 2006. و المسيرة متواصلة........ و يتضح من خلال ما سبق :
أولا : أنّ الحركة النقابية العمّالية التونسية شهدت مسارا تأسيسيا على يد محمد على الحامي ورفاقه و وقع وضعها على سكّة التوجه الوطني و الإجتماعي في قطيعة مع المسارات المشوبة بتأثير المستعمرين الغاصبين.
ثانيا : أن الحركة النقابية االعمالية التونسية شهدت هزات عنيفة بغاية فرض حرية قرارها، و شكّلت وحدتها أعظم مبدإ من مبادىء وجودها و لم تكن الإنشقاقات التي شقّت تاريخها الطويل و من مرّة إلى أخرى تقريبا إلاّ فعلا مسنودا من قبل الحزب الدستوري الحاكم
ثالثا : أن الحركة النقابية العمّالية التونسية شكلت الثقل المضاد الأكثر وضوحا وبروزا الذي آوى البرامج الإجتماعية المختلفة و واجه نزعات الإستبداد و التسلط و عبّر عن تمسك شديد بإستقلالية القرارالوطني و عن تشبث متواصل بمطلب العدالة الإجتماعية... و توزيع الثروة بصورة غير مجحفة على الأقلّ بمصالح الاجراء.
2- حول العمل النقابى عموما... و خاصة في مناخ العولمة يعتبر التجمع النضالي للعمال وتكاتفهم أهم عامل ميز فترة الثورة الصناعية بأوروبا،
وقد ناضل الكادحون بقيادة زعماء أفذاذ من أجل آفتكاك حقوقهم و هدم صرح المظالم التي كانوا يتعرضون إليها، و هم الذين كانوا يعملون قرابة العشرين ساعة يوميا في المصانع و المناجم مهددين بالأمراض و الأوبئة و المخاطر و الإعاقة و الموت دون أية ضمانات آجتماعية.
و قد مكنتهم تحركاتهم النقابية و السياسية من إسماع صوتهم و تغيير موازين القوى لفائدتهم نسبيا ضد خصومهم وصولا إلى نيلهم للعطل في لحظات مشهودة في التاريخ
و إقرار نظام 8 ساعات عمل يوميا و تغطيتهم آجتماعيا صحبة عائلاتهم بما في ذلك حصولهم على منح البطالة عند الإقتضاء.
فيمكن القول أن إقرار الحقوق النقابية للكادحين و تطورها شكلّ أهمّ ميزة للحياة الإجتماعية طوال القرن التاسع عشر و القرن العشرين بأوروبا ثم بمختلف انحاء الكرة الأرضية التي غزاها النظام الرّأسمالي في شكله الإمبريالي و التوسعي.
و قد سعت الحركة النقابية إلى رصّ صفوف العمّال و توحيد كلمتهم اعتبارا لأنّ قوة العمّال في وحدتهم و إلى أنّ تشتت كلمتهم تؤدي بالضرورة إلى ضعفهم. فالمبدأ هو أن تكون الحركة النقابية العمّالية حركة موحدة حتّى لا يتمكن خصومها من اللعب على التناقضات بين مكوناتها المختلفة.
فشل اضراب عمال مناجم بريطانيا
وقد شكّل نشدان الوحدة النقابية هدفا في حدّ ذاته إلى حدّ أنّ بعض الأصوات نادت بالعمل حتّى داخل نقابات الموالاة للحكومات المسّماة بالنقابات الصفراء (Syndicats jaunes)
أو بالنقابات المدجنة من قبل الأعراف (Syndicats-maison) و العمل من داخلها على تغيير الوعي المتدني للمنضمين تحت لوائها و الإرتفاع به إلى الدرجة المطلوبة و النظر بعد ذلك فى إعطائه الأشكال الملائمة.
و لا زالت تدوي في الآذان إلى حدّ اليوم كلمة الرئيس الشيلى الشهيد سلفادور ألندي من أعلى منبر الأمم المتحدة سنة 1972 التي أشار فيها أنه يأتى من بلد تحققت فيه الوحدة النقابية مبرزا ذلك كمكسب تاريخي للطبقة العاملة ببلاده يستحق الفخار.[1]
و قد وقع إسناد الحقوق العمالية في جميع أنحاء العالم ببروز الإتحاد السوفياتي الذي انتصر زعماؤه للطبقة العاملة و حاولوا تمكينها من القيادة قبل أن تسقط المنظومة الإشتراكية ما عدا القليل منها و ذلك لأنها لم تصمد في المنافسة مع النظام الرّسمالي الذي عرف كيف يطوّرالثورة التكنولوجية المتعاظمة و كيف ينخر دواليب النظام المناهض له أثناء الحرب الباردة بالدّعاية المضادة و إشاعة الفساد لدى بعض رموزه مما ولّد في نهاية المطاف قيادة مهتزة و بيروقراطية مفصولة عن الشعب واهتماماته انحرفت بالمسارات الأولى وانتهت بممارساتها الإستبدادية إلى إسقاط القلاع من داخلها. فانفتح الباب مع تاتشر بأنقلترا و مع ريغان بالولايات المتحدة و مع البيرسترويكا بالإتحاد السوفياتي إلى انتصار الليبرالية الجديدة.
و مع انتصار الليبرالية الجديدة نشأ العالم ذو القطب الواحد و عادت العولمة التي كانت محبوسة لتكتسح كلّ آفاق الدنيا فارضة كلمتها من خلال الشركات متعدّدة الجنسيات واتفاقات «الغات» ثمّ منظمة التجارة العالمية، و مجلس الأمن الدولي و الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز إستعمال القوة ضد الدول المعتبرة مارقة.
و مع اكتساح العولمة للدّنيا و أتساع نشاط الشركات متعددة الجنسيات و قع الضغط على جميع الصناعات الوطنية و حتى المحليّة في كلّ مكان فشهدت تقلصا و أنكماشا لفائدة البضائع المعولمة التي لا تعترف بالعراقيل القمرقية و لا بالسيادة الوطنيةو هو ما نتج عنه :
أوّلا : تغيرالعلاقات الشغلية نحو الهشاشة بالتراجع عن الحقوق المكتسبة للأجراء وتطوّر علاقات العبودية الجديدة المتمثلة في المناولة و أصبح العمل الوقتي هو القاعدة و العمل القار هو الإستثناء و وقع تسريح أعداد غفيرة من العمّال و رميهم إلى البطالة
و الخصاصة و غلق بعض المناطق الصناعية الوطنية أو المحلية غلقا تاما أو جزئيا حيث
يمكن القول أن السوبرماركت الذي يبيع البضائع المعولمة قد عوّض المصنع الوطني أو حتّى المحلي و إنّ العولمة قد جاءت بسلّة من أصناف العمل اللانمطية و التي منها العمل عن بعد، و العمل في ميدان الخدمات المتضخم و العمل في الميدان التجاري من خلال السعاة الصغار الذين يوزعون البضائع أو يوصلون البيتزا - هوت إلى المنازل إلى آخر ذلك من أصناف هذا المهرجان الذي يتطور أمام أعيننا و نعيشه بآندهاش مشوب بشعور بالعجز أحيانا.
ثانيا :مع ضرب التجمعات العمالية التي كانت تشكل مصدر قوة للطبقة العاملة و مع آنتشار الأشكال الهشة للعمل تدنت نسبة الإنخراط النقابي للشغالين، و تعترف الدجي بي (DGB) وهي تجمع النقابات بألمانيا بأنها خسرت ما بين 1993و 2003 نسبة 28 في المائة من منخرطيها (وهذا يعني الثلث تقريبا). [2]
وعند سؤال الشغالين بفرنسا في سبر للآراء أجرته سي آن آس-سوفراس
(CNS.SOFRES) عن أسباب آنحسار رغبتهم في الإنخراط بالنقابات أجاب 56 في المائة من المستجوبين «إنه الخوف من القصاص.» [3]
فظاهرة آنحسار المد النقابي هي ظاهرة عالمية تجد أسبابها في الصراع الدائر باستمرار بين رأس المال و قوة العمل كما تجده في توصل رأس المال مع تطور وسائل الإتصال و الثورة التكنولوجية إلى تحقيق انسجام في مواقفه و في تشريعاته عالميا مما ترك الطبقة العاملة التي آفتقدت مراكز تنسيقها الجدية على المستوى الأممي تلهث وراء التغييرات المتتالية و لا تجد منافذ واضحة لفرض آحترام حقوقها.
وإذ يبقى الإضراب سلاحا هاما بيد الشغالين فإن قسوة الفشل الذي مني به الإضراب البطولي و الطويل لعمال المناجم في الثمانينات من القرن العشرين ببريطانيا كان له وقعا كارثيا كونه قد وقعت تغطيته بإسهاب من قبل وسائل الإعلام العالمية لإبراز أن ليّ الذراع بين الطبقة العاملة وبين رئيسة الوزراء بذلك البلد مارغريت تاتشر التي أسموها :المرأة الحديدية...لا يمكن أن يؤدي بالعمال إلا إلى السراب.
فهذا التراجع النقابي إذن ليس ظاهرة خاصة بهذا البلد أو الآخر بل هو ظاهرة عالمية وإن كانت تأخذ أشكالها الأكثر حدة بالبلدان المولّى عليها آمبرياليّا حيث يمكن أن تتفاقم و تأخذ أشكالا مفزعة.
وقد أصبح معروفا في بلد مثل تونس أن الحركة النقابية تستمد أسباب بقائها من شغالي و موظفي القطاع العام و خاصة في ميدان التعليم، أمّا بالقطاع الخاصّ فإن التنقب ينزل إلى أدنى مستوياته.
و مع الخوصصة المتصاعدة لكل ما هو عمومي في جميع الميادين فإنه يجوز التساؤل : أية آفاق للعمل النقابي.؟
ولا يجهلنّ أحد أن الضغط من أجل الخوصصة يتم بإملاء من القوى المتجبرة عالميا وهي الشركات العملاقة متعددة الجنسيات و مؤسساتها المتنفذة التي حولت أعضاء الحكومات و حتّى بأوروبا و بأمريكا إلى مجرد سعاة أحيانا يطبقون تعليماتها و ينفذون سياساتها.
و لعلّه لم يخف على أحد أنّ تجمع المانحين في «باريس ثلاثة» المخصص في غضون شهر جانفي 2007 للنظر في الأوضاع اللبنانية و على خلفية حركة آعتصام شامل دعت إليه النقابات العمالية اللبنانية ببيروت قد أعطى دعما غير مسبوق لفؤاد السنيورة كرئيس للحكومة بذلك البلد على حساب المعارضة الوطنية والدّيمقراطيّة و النقابية التي تطالب بتنحيته أو تعارض سياساته...ولكنه لم يفت المانحين أن يشترطوا مقابل دعمهم مزيدا من الخوصصة و حتى في قطاع توزيع المياه الذي من المفروض أن يبقى حكرا على الدولة وحدها كائنا ما كانت الأحوال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.