شغلت حادثة سجنان يوم أمس العديد من صفحات الناشطين التونسيين على الموقع الاجتماعي وانقسمت حولها الآراء بين من يعتبرها «غزوة سجنان الثانية» للسلفيين وبين من يتمسك بما جاء في توضيح وزارة الداخلية من أنها مجرد خلاف بسيط عادي لا وجود فيه لسياح ولا لسلفيين أصلا. ويبدو أن مسألة السلفيين في تونس لن تجد حلا واضحا ونهائيا بما أنها أصبحت وقود الحرب اليومية بين فرقاء السياسة في صفحات الموقع الاجتماعي، ولا يكاد يخلو يوم من عنوان عن هجومات سلفية على سياح أو معالم ثقافية أو أماكن ومرافق عامة. وقليل من هذه الأخبار مدعم بالصور والوثائق والشهادات، وثمة مقاطع فيديو شهيرة عن نشاط أشخاص محسوبين على التيار السلفي تدعو إلى الخوف بسبب التهديد الواضح الذي يمثلونه لحريات الأشخاص.
غير أن أغلب هذه الأخبار تنقصها الدقة والتثبت، وأحيانا كثيرة تكشف عن سوء النية أو على الأقل التسرع، بما يكشف أن موضوع السلفية قد أصبح وسيلة أخرى من وسائل الحرب المعلنة في الصفحات التونسية بين النهضة وخصومها. وقد جاءت حادثة سجنان الجديدة لتجدد لدى البعض الذكرى القديمة عن إقامة «إمارة سلفية» في هذه المدينة التي تعاني من الفقر وانتشار البطالة وانسداد الآفاق. وفي المرحلة الأولى ظهرت مقالات تطلق صيحات الفزع عن مجموعة من السلفيين المسلحين بالهراوات والحجارة وحتى السكاكين في بعض الروايات، اعترضوا سبيل حافلتي سياح واعتدوا عليهم وهددوهم.
واستغل نشطاء المعارضة هذا الخبر لنشره على أوسع نطاق والتذكير بحادثة سجنان القديمة عن تحويل هذه القرية التي تقع في ولاية بنزرت إلى «إمارة سلفية» خارج القانون. في النهاية، مالت أغلب التعاليق إلى اعتبار ما حدث أقرب إلى العمل الإجرامي العام، بحكم تورط مراهقين في حالة انفلات أمني أعمارهم بين 14 و16 عاما في خلاف مع طلبة كانوا يمرون عبر مدينة سجنان. وإذا كانت هذه الحادثة تكشف عن التسرع في توريط السلفيين في سجنان، فإن أحداثا أخرى تكشف عن خطر فعلي يمثله بعض أنصار التيار السلفي مثلما حدث في مدينة الكاف مرارا.
يكتب يساري معروف بموضوعية ما ينشره في صفحته: «من ينكر انفلات السلفية في تونس هو إما خائف على نفسه وإما لا يعيش في هذا الوطن، سواء قصدوا ذلك أم لم يقصدوا، يوفر الكثير من أنصار السلفية في تونس لخصومهم مادة ضخمة من التصرف المرعب يوميا في البلاد التونسية»، يكتب صديق له تعليقا على ذلك: «الغريب هو صمت وزارة الداخلية عنهم والتقليل من خطر ما يفعلونه من تهديد للناس، يجب أن تأخذ الداخلية موقفا واضحا منهم».
لا نقرأ شيئا عن تهديدات المحسوبين على التيار السلفي في صفحات أنصار النهضة سوى التكذيب، مثل نص تم نشره وتداوله بكثافة من صفحة النائبة محرزية العبيدي تؤكد فيه أنها اتصلت بمعارف لها في سجنان نفوا تماما وجود سلفيين في حادثة حافلة الطلبة.
لا تعترف أغلب صفحات أنصار النهضة بوجود خطر السلفية، ويعتبرونه مجرد سلاح يروجه خصومها لتهديد السياحة وتشويه سمعة البلاد. لكن قراءة بعض ما ينشر في صفحات أشخاص سلفيين في الموقع الاجتماعي تكشف عن توتر خطير واحتقان مرشح للعنف والقتال.
والمشكل في الصفحات التونسية هو التسيس المفرط، وانغلاق كل طرف على نفسه وأطروحاته الفكرية لتخوين الآخر أو تكفيره، مما يجعل الحقائق تضيع وسط الأخبار المدسوسة والملفقة لغايات سياسية حيث كل الأساليب مباحة وممكنة للنيل من الخصم دون أي عقاب.