يوم قرّر الشعب التونسي أن ينتفض ضد الظلم والقهر والطغيان تجمّع بكل ألوانه الفكرية والسياسية في جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد... يوم غاب الأمن بأجهزته وأعوانه وكوادره
تقاسم التونسيون الأدوار تلقائيا لحماية الأرواح والممتلكات والأجساد وجسّدوا بذلك أرقى معاني الوطنية والانتماء إلى هذه الأرض الطيبة... يومها أنشدنا بصوت واحد «يا شعب تونس ما أروعك» واعتقدنا أنه بعد اليوم لا شيء يهزمك.
مضت اليوم سنة ونصف السنة على تلك الأيام الخالدة فإذا الجسد أجساد انخرطت في لعبة «شد الحبل» وهي لعبة تقوم أساسا على مبدإ «كل واحد يجبد ليه»... فحال فتح الأبواب لانتخابات التأسيسي بات لنا من الأحزاب ما يزيد عن المائة وبعد الانتخابات تعددت اللغات واختلفت المواقف وكثرت الاضطرابات وطغت على المشهد الاعتصامات وبات للوطنية والوحدة الشعبية أكثر من مفهوم وهي مفاهيم اتفقت كلها على أن تزيد في تمزيق الجسد التونسي الواحد يوما بعد يوم... فتونس هذه الأيام جهات وأقاليم وولايات كل يشد الحبل لحسابه الخاص حتى ولو كان الأمر على حساب الغير وعلى حساب الصالح العام... فإذا نحن ننشد اليوم كل بصوته الخاص «أنا الأولى.. أن الأحق».
لقد بات لنا بدل النقابة في القطاع الواحد نقابات وكل ينقب عما يمكن أن يظهر به في صورة أكبر حجما وأكثر لمعانا من غريمه حتى على حساب العمال والعمل والتنمية... هذا يملك الماضي وذاك يملك الحاضر ولا يهم لمن سيكون المستقبل... حتى الأحزاب الأكثر تماسكا فككتها المواقف والمصالح وشتتتها.. اللعبة لا تزال مستمرة ولا أحد يعلم متى تنتهي ولمن ستكون الغلبة.. حبل لعبة «شد الحبل» رغم سمكه وقوته بدأت أجزاؤه تعرف بعض التفتت وإذا تقطع فحتما سيسقط جاذبوه من الطرفين إلى الخلف وسنقع كلنا على ظهورنا... والسقوط على الظهر يحيل عادة إلى العجز عن الحركة والوقوف من جديد... هذا مصيرنا ومآلنا إذا استمر اللعب على هذه الشاكلة... هذا مصيرنا إذا لم نلتزم بالصبر الكافي لتتجسد المشاريع التنموية على أرض الواقع فليس من المعقول أن يفتح باب الانتدابات لمصنع لا يزال على الورق وليس من المعقول أن نفرض على مستثمر بعث مشروع في منطقة غير التي يصلح أن يبعث فيها وليس من المعقول أن نستمر في تمزيق كل الحبال التي جمعتنا يوم 14 جانفي يوم كان الشعب يجذب من طرف والطاغية وزبانيته من الطرف المقابل فسقطوا ووقف الشعب... وعوض أن نترك اللعب وننصرف إلى العمل الجاد أعجبتنا لعبة «شد الحبل» أو بالأحرى ألفناها فحطمنا وحدتنا و«تمزقنا» إلى مجموعات وجماعات وواصلنا اللعب... ولعل أتعس وأمرّ ما في هذه اللعبة أن ترفع أعلام الجهات ويسقط علم تونس على غرار ما يقع أحيانا في لعبة كرة القدم... فما معنى أن تمنع أو تهدد كل جهة بمنع خيراتها عن باقي الجهات بعنوان الأولويات!