إذا كان مؤتمر قصر هلال يوم 2 مارس 1934 منطلقا لولادة جديدة لحزب دستوري يريد أن يكون جمهيريا، فإنه شهد أيضا مولد زعيم سيكون له شأن في مسيرة تونس التحريرية. رجل ارتضى التضحية بحياته من أجل عزّة وطنه. يول شقيقه عبد المجيد شاكر في كتاب «الهادي شاكر جهاد واستشهاد» ما نصّه «ولعله لم يكن معروفا عن الهادي شاكر، نظرا لصغر سنه (من مواليد 1908)، أنه كان يقوم بنشاط سياسي معين في مدينة صفاقس، التي كانت تغلي بحركة سياسية وثقافية نشيطة خلال العشرينات، وذلك سواء بين الاصلاحيين الذين كانوا يتبعون توجه حسن القلاتي أو بين أولئك الدستوريين ممّن استهوتهم أطروحات عبد العزيز الثعالبي، وأحمد الصافي، ومحيي الدين القليبي، وغيرهم من آل القرقوري، والفوراتي، وكمون، وادريس، غير أن منطق الأحداث يقتضي القول أن الحبيب بورقيبة لم يوجه للهادي شاكردعوة إسمية لحضور مؤتمر قصر هلال هكذا من فراغ ودون سبب. ويضيف عبد المجيد شاكر نقلا عن بورقيبة : «كان لمشاركة الهادي شاكر في مؤتمر قصر هلال تأثير عميق عليّ شخصيا وعلى أعضاء المؤتمر». وأعاد بورقيبة الكرة وأبى إلا أن يسلّط الأضواء من جديد على شخصية الهادي شاكر، وكان ذلك على منبر المعهد الأعلى للصحافة عام 1973 في سياق أحاديثه حول مراحل الكفاح التحريري فجاء على لسانه بالحرف الواحد : «إنّ الهادي شاكر من أعز رفاقي، فلم ينخرط أبدا في الحزب الدستوري القديم، وما كان لينخرط في حزبنا لولا تقديره لشخصي، فحيويته متميزة، ونشاطه الدؤوب، يثير الاعجاب، وصراعه مع شعبة تابعة للحزب القديم ب «الشيحية» كان مستمرا، إنه يتمتع بكل ثقتي، وقد وجهت له من برج البوف رسالة باللغة العربية عن طريق شقيقي سي محمد (بالفتح) «لأني أعتبره ركيزة من ركائز الحركة». * إغراء وأثار بروز الهادي شاكر سياسيا اهتمام السلطات الاستعمارية فاستخدمت معه أسلوب الإغراء والتهديد. وكان المناضل الشهيد وإخوته قد ورثوا عن والدهم المرحوم محمود شاكر مؤسسة تجارية ناجحة أصابها الوهن بعض الشيء، فرأت السلط الاستعمارية أن الوقت مناسب لإبعاد الرجل عن المعترك السياسي وإغرائه بالقروض البنكية، والامتيازات الجبائية، والتراخيص، لكنه أبى مقايضة شرف الأمة واستقلالها بقليل من المال والتسهيلات. وأثناء المحنة الأولى، والصراع مع المقيم العام الفرنسي «بيرطون» كان للزعيم الهادي شاكر دور ريادي في شحذ العزائم، والتصدّي للخطط الاستعمارية. وفي يوم 2 جانفي 1935 ألقت السلطات الفرنسية القبض على صالح بن يوسف، والطاهر صفر، والبحري قيقة، والهادي شاكر، وكلهم من الدستور الجديد، ومحيي الدين القليبي من الدستور القديم. وأبعد الهادي شاكر إلى مطماطة، بينما نقل صالح بن يوسف إلى قبلّي، والطاهر صفر الى جرجيس، والبحري قيقة إلى مدنين، والحبيب بوقطفة الى بنقردان، وبعد إقامة فترة معينة بمطماطة نقل الهادي شاكر الى مدنين ثم الى برج البوف وعاقبت السلطات الفرنسية الزعيم الهادي شاكر بتصفية شركة العائلة الى أن أطلق سراحه مع رفاقه يوم 23 ماي 1936. * في الصفوف الأمامية ومنذ اندلاع أحداث أفريل 1938 كان الشهيد الهادي شاكر في الصفوف الأولى لمقاومة المستعمر الغاشم، حيث قاد حركة التمرد والعصيان، ونشر مبادئ التحرّر من القوى الاستعمارية، وكالعادة كان نصيب الهادي شاكر الاعتقال وبالتحديد يوم 26 أفريل بصفاقس، ونقل فورا إلى تونس العاصمة حيث أودع السجن العسكري صحبة قادة الحزب، واتهم الجميع بالتآمر على «الدولة المستعمرة»، وحثّ السكان على التمرّد، ومخالفة قوانين البلاد ثم نقل الزعيم الهادي شاكر إلى حصن سان نيكولا رفقة سائر زعماء الحركة الوطنية. * روزفالت... ويشكل شهرأفريل 1943 فترة حبلى بالمفاجآت، ففي يوم 11 من الشهر عاد الهادي شاكر إلى مسقط رأسه صفاقس بعد خمس سنوات من الاعتقال، وفي اليوم الموالي ألقي عليه القبض من جديد، ووقع إبعاده إلى بلدة «كلارفونتان»، وفي 18 من الشهر ذاته كانت العائلة على موعد مع حدث جدير بالاهتمام. ففي ذلك اليوم زار منزل العائلة الضابط الأمريكي «روزفالت» أحد أقارب الرئيس الأمريكي «تيودور روزفالت» جاء مساندا للعائلة، ومثنيا على النشاط السياسي للزعيم الهادي شاكر. وواصل الرجل جهاده، ولم يتوان عن التنقل خارج البلاد للتعريف بنشاط الحركة الوطنية التونسية، وحكم عليه أكثر من مرّة نتيجة مواقفه التي لا تعرف المهادنة والخنوع. * الاغتيال وعملا بآراء وتعليمات المراقب المدني «غانتاس» تقرّر في اجتماع حضره قتلة الشهيد وجوب اغتيال شخصية دستورية بمواصفات معينة، فكان المطلوب أن تكون من جهة صفاقس، ومن المستوى الأول في الجهة، وأن يكون لها حضور بارز على المستوى الوطني. وكان واضحا أن هذه الصفات لا تتوفر إلا في شخص واحد لا غير هو الهادي شاكر، فقد كان زعيما بدون منازع لجهة صفاقس، وكان أيضا شخصية من المستوى الأول على الصعيد الوطني بصفته عضوا بالديوان السياسي بعد أن كان ترأس آخر مؤتمر للحزب في جانفي 1952. وفي ليلة الأحد الفاصلة بين 12 و13 سبتمبر 1953 اتجهت سيارتان إلى جهة نابل حيث يقيم الهادي شاكر وفي ظرف ساعات تمّ تنفيذ الخطة الجهنمية. وفي تمام السادسة صباحا تمّ العثور على جثة الشهيد الهادي شاكر ملقاة على حافة الطريق. وفي أحد أيام شهر نوفمبر 1956 أي بعد أشهر معددوةمن استقلال البلاد تمّ الكشف عن العصابة التي تولّت اغتيال المرحوم الهادي شاكر. وصدر على الخونة أحكام متفاوتة أقصاها الاعدام وأدناها تأجيل التنفيذ وعدم سماع الدعوى في حقّ البعض.