تؤكد جملة من الاحداث والوقائع والتصريحات ان صوت العقل والحكمة ما يزال غائبا في الكثير من سلوكات عدد من الفاعلين السياسيين وقطاعات من المجتمع المدني والقوى الاجتماعية وممثليهم، إذ رغم جسامة الأوضاع ورهانات الثورة والمسؤولية العظمى في تحقيق أهدافها في التنمية والتشغيل والحرية والكرامة فإن الكثيرين ما زالوا يتحركون وفق منطق لا يستحضر أيا من تلك المهمات التاريخية بل يقفز عليها لفائدة مصالح آنية وفئوية ضيقة الأفق والمجال. ان تناسي تضحيات الأجيال المتعاقبة من التونسيين والتونسيات منذ أكثر من 50 سنة والتي كان آخرها شهداء وجرحى ثورة 14 جانفي 2011 لأجل دولة عصرية ديمقراطية يتعايش فيها الجميع وتغيب فيها الفوارق بين الفئات والجهات وتزداد فيها صورة تونس إشراقا بين امم العالم، ان ذلك التناسي او التجاهل يعد بكل المقاييس خطيئة في حق تونس وشعبها لان ذلك السلوك لا يمكن ان يكون الا بابا للمزيد من الفوضى والانفلات والمزيد من اضاعة الوقت، وهو ثمين بكل الاعتبارات والمعاني، في مسار بناء تونسالجديدة . ومن الغريب فعلا انه وفي الوقت الذي تتزايد فيه انتظارات العالم بخصوص تجربة الاطاحة بالدكتاتورية والبدء في تنفيذ خطط الانتقال الديمقراطي، في الوقت الذي تتباهى به شخصيات دولية مرموقة في عالم الفكر والثقافة والسياسة والحضارة بالنموذج التونسي المذكور بقدر ما يغيب كل ذلك الوهج والإشعاع عن جزء غير يسير من النخب والاحزاب والناشطين في المجتمع السياسي و المدني التونسي الذين يتسابقون للفتنة وبث الفرقة وتثبيط العزائم ونشر الاشاعات والتحاليل المغلوطة وتنفيذ الحملات المغرضة وكأن أمر البلاد لا يعنيهم وان كل ما يعنيهم زوايا نظر إيديولوجية مقيتة حكمت عليها التجربة الانسانية منذ اكثر من عقدين بالترهل والهزيمة والانكسار .
إن الانغماس في التفاصيل والجزئيات والانصراف عن المسائل الجوهرية الكبرى سلوك يحتاج الى تعديل جذري وجوهري وفق قراءة عقلانية وموضوعية لحجم التغير الحاصل في البلاد وحقيقة موازين القوى الموجودة اليوم وطبيعة اللاعبين السياسيين الذين أفرزتهم ارادة الشعب وعلى أرضية رصد الأولويات والمهمات الوطنية الكبرى والتي لا تستدعي نظرات إيديولوجية وحسابات ضيقة المدى والافق بقدر ما تستدعي صوت الحكمة والعقل اولا وأخيرا ولا شيء آخر غيره.