تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    ليبيا: الداخلية بحكومة حماد تنفي مقتل النائب إبراهيم الدرسي    لم يُشهد لها مثيل منذ قرن: غرب ألمانيا يغرق في الفيضانات    أبطال إفريقيا: تشكيلة الأهلي المصري في مواجهة الترجي الرياضي    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    الجيش المصري يدفع بتعزيزات جديدة نحو الحدود مع قطاع غزة    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    ''غرفة المخابز: '' المخابز مهددة بالإفلاس و صارت عاجزة عن الإيفاء بإلتزاماتها    الكاف: إيقاف معتمد الدهماني ورئيس فرع بنك    القنوات الناقلة لمباراة الترجي التونسي والأهلي المصري    بطولة الجزائر- الجولة ال26: مولودية الجزائر تتوّج باللّقب الثامن    قفصة: 241 حاجا وحاجة ينطلقون من مطار قفصة القصر الدولي يوم 28 ماي    مدنين: القبض على شخص استولى على 40 ألف دينار من أجنبي    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة مقارنة بالسنة الفارطة (المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية)    إرتفاع قيمة صادرات المواد الفلاحية البيولوجية ب 24،5 بالمائة    بن عروس: اندلاع حريق بمستودع قديم وغير مستغل    وزير التشغيل والتكوين المهني يؤكد أن الشركات الأهلية تجربة رائدة وأنموذج لاقتصاد جديد في تونس    تفكيك شبكة لترويج الأقراص المخدرة وحجز 900 قرص مخدر    القيروان :الاحتفاظ ب 8 اشخاص من دول افريقيا جنوب الصحراء دون وثائق ثبوتية يعملون بشركة فلاحية    رئيسة مكتب مجلس أوروبا بتونس تقدّم خلال لقاء مع بودربالة مقترح تعاون مع البرلمان في مجال مكافحة الفساد    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    مدير معهد الإحصاء: كلفة انجاز التّعداد العامّ للسّكان والسّكنى لسنة 2024 تناهز 89 مليون دينار    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    أولا وأخيرا ..«سقف وقاعة»    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    دقاش: افتتاح فعاليات مهرجان تريتونيس الدولي الدورة 6    وزير الفلاحة: المحتكرون وراء غلاء أسعار أضاحي العيد    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    حادث مرور قاتل ببنزرت..وهذه حصيلة الضحايا..    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    النائب طارق مهدي يكشف: الأفارقة جنوب الصحراء احتلوا الشريط الساحلي بين العامرة وجبنيانة    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    فرنسا: الشرطة تقتل مسلحا حاول إضرام النار بكنيس يهودي    بطاقة إيداع بالسجن في حق مسؤولة بجمعية تُعنى بمهاجري دول جنوب الصحراء    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسار الديمقراطي و خطر الديكتاتوريات الجديدة
نشر في الشعب يوم 18 - 02 - 2012

مازلت إلى حد هذه اللحظة الفارقة من تاريخ تونس استحضر تلك المنعطفات الثورية التي عشنا على وقعها من منتصف شهر ديسمبر إلى اليوم الحاسم 14 جانفي
مازلت أتذكر كيف زعزعت قوة اللغة و سطوة الكلمة لغة العنف و صوت الرصاص و أربكت ذاك العنف الأمني الذي استهدف الأفراد و الجماعات، قوى المجتمع المدني و شتى التنظيمات و أصبح الطقس المهيمن و الحالة المعبرة عن استبداد فرّخ ميليشيات ذات عقلية مافيوزية دورها اغتيال العقل وأْدُ الحريات
فكانت الثورة في وجه من وجوه لا انقلابا على هذا العنف الممنهج و حسب بل هي انتصار أيضا للفكر والعقل والعلم هي انتصار لقوة اللغة و الكلمة التي هزمت عرش الدكتاتورية و اعتى الأنظمة الأمنية.
الم تزعزع كلمة «dégage» و«الشعب يريد»... نظام بن علي الأمني؟
الم تنتصر اللغة على العنف البوليسي و ايديوليوجيا التصفية و تكميم الأفواه فتهاوى عرش الفساد و تلاشت ترسانة الرعب و الخوف تحت وطأة الكلمة و ما تحتويه من شحنة رمزية و صرخة متأججة للتخلص الفوري من كل أشكال الديكتاتورية الجاثمة على جسد الشعب و ما أنتجه من تفاوت اجتماعي صارخ و تنمية مهزوزة عمقت الجرح
كانت الثورة إرباكا خلاقا لمؤسسات الدكتاتورية و إعلانا صارخا لتقويض دوائر الفساد و التجهيل و التفقير من اجل إرساء دولة المواطنة و العدالة و الحريات و لكن السؤال الذي يطرح الآن :هل سقطت بالفعل مؤسسات الدكتاتورية أم مازالت قائمة إلى حد هذه اللحظة ?
2-مسار الانتقال الديمقراطي وخطر الدكتاتورية
إن السياق الثوري الذي احتضن تعدّد التجاذبات السياسية والايديولوجية منذ سقوط النظام أمر ضروريّ تستدعيه مخاضات التشكل الجديدة ما بعد 14 جانفي و السعي المشروع إلى إحداث الانتقال المرتقب من مجتمع مدني مهزوم إلى مجتمع مدني مستقل و قوي يثري التيارات السياسية و يتفاعل معها على أرضية التمايز و التحاور لتأسيس حراك فكري و إعلامي مستقل يمهد لمدنية الدولة ليضمن المسار الحقيقي للحريات ودون هذا الفصل الواضح بين المدني و السياسي يبقى التوجس مشروعا للانزلاق مرة أخرى إلى ادلجة المسار المدني و من ثمة تجنيده لخدمة المصالح السياسية و تكريس مبدأ ولع السياسة بالهيمنة على يقظة مؤسسات المجتمع المدني و تعطيل دورها النقدي و بدون هذا الحراك الذي يدور بينهما في كنف التمايز يمكن أن نؤسس لانتقال ديمقراطي، وكذلك لحرية الرأي والتعبير والإعلام دور بارز في تفعيل ذلك الحراك ودفع سقفه إلى مستوى التدافع الخلاق.
إن أهم استحقاق في هذه المرحلة / المخاض هو العمل على استعادة وهج شعارات الثورة و الاشتغال على مضمونها مجددا حتى يسترجع المسار الثوري فاعليّته فالثورة في البدء لم تكن سياسية بل هي ثورية على أوضاع اجتماعية متردية و صرخة مدوية على حريات عانت الاختناق فكل ممارسة سياسية اليوم الاشتغال على البعد الاجتماعي و تتغافل على مصير الحريات لحساب التجاذبات السياسية الضيقة هو مؤشر لانتكاسات حقيقة بدأت تظهر للعلن و بشكل فاضح.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن و نحن نلمح إرهاصات غليان اجتماعي و محاكمات في السر و العلن على الكلمة الحرة و استهداف صارخ للمثقفين و الإعلاميين أمام الملأ يعيد هاجس الحديث عن مسار الثورة من جديد و يطرح القلق الأتي و هو عبارة عن اقتناع تام بان مؤسسات الدكتاتورية ما زالت قائمة إلى حد هذه اللحظة و تعمل على استدراج أصحاب الفعل الفكري و الإعلامي الحر إلى دوائر الاتهام و التنكيل و تسعى إلى إرباك ذاك الحراك المدني المستقل الذي بدا يتنامى باعتباره الحاضن لحيوية المسار و الضامن لاستمراريته تمهيدا للقضاء عليه حتى تصبح الأقليات المنفلتة و المتطرفة صاحبة الشرعية من خلال ممارستها الممنهجة للعنف المادي و المعنوي تحت غطاء التراخي السياسي الغريب.
إن الحيف الممارس اليوم على :الإعلام و الفكر و كذلك المرأة ليس إلا وجها من وجوه الثورة المضادة و دعوة إلى إرادة الهيمنة تمهيدا الصنع دكتاتوريات جديدة و لن يتحقق إلا بتكميم الأفواه و كسر الأقلام و إرجاع المرأة إلى مراتب دُنيا...
3-المرأة أولى ضحايا الثورة المضادة
المرأة أم الشهيد , المرأة الشهيدة, المرأة وقود الثورة والمرأة المناضلة التواقة إلى الأفضل.
المرأة ثارت و اصطفت جدارا منيعا ضد الطاغية وصمدت و هي تتلقى الضربات من البوليس.
المرأة قاست وقيست عليها لدهور نجاعة المشاريع الحداثوية فبقدر ما تكون المرأة متحررة و فاعلة بقدر ما يكون ذلك دليلاً على حداثة الدولة و مدنيتها و برهانًا على عدم التمييز الفعلي بين الجنسين.
ولكن أي تحرر تريده المرأة هل ذاك التحرر الذي يمنح لها متى تشاء الأنظمة و يسحب منها متى تشاء أنظمة سياسية أخرى أم تريد تحررا ثابتا يؤسس للفعل الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي من باب الندية و المشاركة الفاعلة.
إذ لا يجب التغافل اليوم عمّا تتعرض إليه المرأة من تنكيل ومصادرة لحرياتها الشخصية والفكرية من قبل أقليات منفلتة سواء في الشارع أو ما تتعرض له الأستاذات الجامعيات من شتم وسب وتعطيل لدورها العلمي و محاولة شل عزيمتهن و عرقلة دورهن الفاعل في تحقيق نهضة المجتمع.
إن رمزية الشعار الذي رفعته الثورة تتوحد جميعا في إرادة التحرر من كل أشكال الدكتاتورية و قد هدر الشعب بها نساء ورجالا دون التمييز أو إقصاء نحو إرساء مسار ثوري شاركت فيه المرأة إلى جانب الرجل في كافة الاعتصامات و المسيرات ورفعت شعارات الاحتجاج ضد سياسة التهميش و التفقير التي مارسها النظام القديم ضد مكونات المجتمع.
فمن أين جاء خطاب إقصاء المرأة اليوم ومن المسؤول عن جعلها كبش فداء يمكن أن يضحي بمكتسباتها و حريتها.
إنّ السلوكيات الرجعية التي تتعرض لها المرأة اليوم في مختلف الفضاءات يكشف عن نشوء دكتاتوريات جديدة تريد تغييبها عن ساحة الفعل بشكل عام و تربك أداءها النضالي من جهة و تضرب من خلال استهدافها حداثة المجتمع و مدنيته مقابل السعي المحموم إلى ترويج نموذج معين للمرأة يراد تكريسه و الترويج له ضمن أفق ضيق و طرح خبيث يربك مسار الثورة وينكر جميل المرأة التي اصطفت إلى جانب الرجل سدا منيعا أمام الطغيان و الحيف.
و يتجاهل تراكم نضالاتها و دورها الريادي في حركة التحرر و بناء الدولة الحديثة وصولا إلى مشاركتها الفاعلة اليوم في إرساء قواعد اللعبة الديمقراطية و تحقيق العدالة الاجتماعية ضمن اطر متعددة يتداخل فيها السياسي و النقابي والحقوقي و غيرها من الأطر الفكرية و الإبداعية التي ساهمت فيها المرأة مساهمة جدية.
إن ضرب ثالوث: المرأة/الإعلام/الفكر هو محاولة اغتيال لأحلام الشعب بالحرية والكرامة ومحاولة هدم لكل مفاصل الخط المدني والحداثي وإرساء لثقافة التخريب و قوانين الهيمنة مقابل ثقافة التنوع و الاختلاف و المساواة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.