مع أنهم أكثر من 800000 عاطل عن العمل في تونس الا أن أغلبهم يرفض العمل في قطاعات يعتبرونها دونية والنتيجة اضطرار عديد الاجراء لتوريد اليد العاملة من الخارج... بحسب احصائيات المعهد الوطني للاحصاء ارتفع عدد العاطلين عن العمل في تونس خلال العام المنصرم ليبلغ 738 ألف شخص من بينهم 242 ألف حامل لشهادة عليا و75 ألف صاحب شهادة اختصاص والبقية والمقدر عددها ب400 ألف شخص هم في أغلبهم من العمالة غير المختصة أو التي اكتسبت خبرة مهنية من خلال ممارستها لعمل ما.
ومع ذلك ترفض هذه الشريحة عروض الشغل المقترحة عليها مفضلة البطالة والجلوس في المقاهي والتعويل على عائلاتها والبرامج والمساعدات الاجتماعية التي تمنحها الدولة.
وكان أحد المستثمرين التونسيين في القطاع الفلاحي قد فاجأ الرأي العام في تونس في الآونة الأخيرة بعد ان اضطر الى الاستنجاد بعشرات العمال الاجانب من أجل انقاذ محاصيله الزراعية والتي رفض العاطلون عن العمل التونسيين جنيها مع أن الأجر اليومي في هذا القطاع يتراوح ما بين 14 و17 دينارا غير خاضعة للأداءات. وبطرح السؤال على المعنيين بالأمر أجمع أغلبهم أن طبيعة العمل ونوعيته له تتماشى وطموحاتهم وانتظاراتهم بل أصر البعض على القول صراحة أنهم لم يشاركوا في الثورة لتكون مكافأتهم بجني «الجلبانة والفول»
وكان خبير في التشغيل قد صرح على أعمدة جريدة «الشروق» منذ ما يزيد على العام أن قطاعات زراعية عديدة في تونس قادرة على امتصاص أكثر من 500 ألف عاطل عن العمل بشكل موسمي وحوالي 100 ألف عامل بشكل قار لكن عزوف العاطلين عن العمل دفع بعشرات المستثمرين الفلاحيين الى الاستنجاد بالجيش الوطني لجني محصول الزيتون في كل من مدينتي صفاقس والمهدية وبعض مدن الوسط والشمال.
وجاء في دراسة للباحث التونسي منور العباسي أن قطاع الفلاحة لا يشغل الا 16% من اليد العاملة النشيطة مع أن حاجيات هذا القطاع هي ضعف هذه النسبة ولتفسير الأسباب التي تكمن وراء عزوف التونسيين عن العمل في القطاع الفلاحي جاء في أطروحة دكتوراه قدمت في معهد الشغل بتونس أن المسوولية تعود بالأساس إلى الدولة التي لم تسع إلى تطوير القطاع من خلال مكننته وتطوير أدوات الانتاج وتعصير البرامج التكوينية في المراكز والمعاهد المختصة وفي المقابل اهتمت الدولة بقطاعات أخرى كالسياحة والخدمات الأمر الذي يدفع بآلاف العائلات إلى النزوح للمدن الكبرى وبيع أراضيها بالاضافة إلى موسمية النشاط الفلاحي في تونس وعجز القطاع الفلاحي على خلق مواطن شغل قارة وثابتة وليس وحده قطاع الفلاحة الذي يعاني من أزمة اليد العاملة فقد تسربت العدوى إلى مجالات أخرى.
«إبني وحدك»
تقول القاعدة الاقتصادية والمتعلقة بتحديد درجات النمو لدولة ما أنه إذا ما انتعش قطاع البناء فإن باقي القطاعات تنتعش بطبيعتها ويبدو أن هذا القطاع بدأ يشهد بعض الحركية في الأشهر الأخيرة لكن الملفت للنظر أنه لا أصحاب شركات المقاولات ولا حتى الخواص قادر على توفير اليد العاملة اللازمة للقيام بأشغال البناء على غرار السيد سليم الشعبوني صاحب شركة عقارية الذي قال ل «الشروق» لم يعد لي من شغل شاغل إلا البحث عن بنائين وعملة مساعدين مع أن أغلبهم يقبعون في المقاهي ويفضلون لعب الورق على ربح قوتهم وقوت عائلاتهم أما هذه الموظفة فمصيبتها أعظم إذ ذهبت كل أموال القر ض الذي تحصلت عليه لإكمال بعض الأشغال في منزلها إلى خلاص البناء ومساعده وعليها الاقتراض مرة ثانية لتوفير مواد البناء إذ بلغت أجرة البناء في تونس 40 دينارا وعلى مشغله خلاص مساعده أيضا وحتى بهذه الشروط فغالبا ما يرفض العاملون في هذا القطاع الشغل لتدفع في غالب الأحيان زوجاتهم ثمن تقاعسهم.
«الراقد الناعس»
في دراسة لوزارة المرأة نشرت سنة 2010 قالت باحثة في علم الاجتماع أن عزوف الرجال عن العمل لا تدفع ثمنه المجموعة الوطنية فقط بل كذلك الزوجة أو الأم أو الأخت العاملة وجاء في نفس الدراسة شهادات عديدة لنساء كنّ ضحيّة لتكامل أزواجهن ومن ضمن هؤلاء الأزواج من فضل الجلوس في المقهى والإدمان على لعب الورق وشرب الخمر مع أنهم من أصحاب الاختصاص كالبنائين وعمال الحدادة والتجارة وحتى من أصحاب الشهائد العليا ويتمتعون بصحة جيدة لكنهم يمتنعون عن العمل ويجبرون زوجاتهم على الإنفاق عليهم وعلى الأبناء.
هذا الإستغلال المادي للمرأة العاملة كثيرا ما أدى إلى مآسي عائلية بل وتسبب في تشتت العائلة وتشرد الأطفال ومع أن القانون التونسي يجبر الزوج على الإنفاق على عائلته والإبن على والديه وعلى من هم في كفالته فإن خيار البطالة الطوعية أصبح ظاهرة حقيقية في تونس وهو ما دعا بعديد المختصين إلى دق ناقوس الخطر ومطالبة الدولة بتفعيل أدوات الزجر الممكنة لإجبار هؤلاء العاطلين الطوعيين على الإنخراط في الحركة التشغيلية.