طرحت الجمعية الوطنية لغرف عدول التنفيذ في الفترة الأخيرة برنامجا كاملا حول العدالة الانتقالية ، كما طرحت على نفسها تشغيل 5 آلاف من حاملي الشهائد العليا مع قطع الطريق أمام كل ممارسات الفساد دعما للإستثمار الوطني والأجنبي.
حول هذه المواضيع وغيرها التقت «الشروق» العميد نوفل الطريقي ..
ماهي برامجكم وأنشطتكم المستقبلية في ظل هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد ؟
يمكن تقسيم البرنامج المستقبلي إلى ثلاثة أقسام : أول قريب المدى ينطلق بجلسة مكتب الجمعية يوم 26 ماي الجاري لتحديد أعضاء المجلس العلمي الموكول عليه صياغة الأفكار وتقديم المقترحات ومشاريع القوانين، وسنفوّض له صلاحيات واسعة في هذا المجال، وبعدها بيوم أي يوم 27 ننظم الملتقى الوطني: «عدالة الإشهاد والعدالة الإنتقالية»، بحضور ممثلين عن المجتمع المدني وأعضاء من المجلس الوطني التأسيسي وسينعقد تحت إشراف وبحضور وزير العدل السيد نور الدين البحيري ووزير حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية السيد سمير ديلو وعدد من كبار المسؤولين ، أما البرنامج المتوسط المدى فنلخصه في نسف القانون المنظّم للمهنة وتغييره بقانون جديد يراعي خصوصيات المهنة ومصالح المواطنين، وبرنامج بعيد المدى وهو إعادة تنظيم هيكل عدالة الإشهاد والإرتقاء به إلى مصاف الدول الأكثر تقدّما .
ماذا تقصدون بنسف القانون المنظم لعملكم ؟
القانون ع60دد لسن1994ة المنظم لمهنة عدالة الإشهاد ولد ميتا فقد صدر متأخرا وغير مواكب لتطوّر المنظومة العالمية، هذا القانون كان ولا يزال عقبة أمام تطوّر مهنتنا وإرتقائها، فهو قانون أكاد أقول عنه أنه صخرة صلبة تَحُول دون إرادتنا للإقلاع بمهنة عدالة الإشهاد، فهو يكبل عدل الإشهاد ويهدده بالعقوبات والتهديدات، كما أنّه يمنح السلطة القضائية هيمنة على القطاع من خلال إشراف النيابة العمومية ومراقبتها لأعمال ومكاتب عدول الإشهاد ومن خلال مجلس التأديب الذي يرأسه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ولا يمنح مقابل ذلك أيّ صلاحيات ممّا ذكرت للهيئة الوطنية كما أحب أن أسميها وليس الجمعية الوطنية لغرف عدول الإشهاد.
وهل تقترحون بديلا لهذا القانون ؟
أعددنا مشروعا طموحا للارتقاء بالمهنة ولضمان حسن سير مرفق عدالة الإشهاد، هذا المشروع الذي هو على طاولة المفاوضات مع وزارة العدل نطالب فيه بإعادة هيكلة المهنة وذلك ببعث مجلس أعلى للتوثيق ومجالس جهوية، وطالبنا فيه بأن يتحمل هذا الهيكل مراقبة عدول الإشهاد والذي سيصبح يسمّى بموجب هذا القانون «العدل الموثق» كما يكون له سلطة التأديب .
ألا ترى أنّ هذه الإصلاحات شكلية ؟
إنّ الإصلاحات التي تهمّ الهياكل والتركيبة هي إصلاحات تنظيمية للهيكل وهناك إصلاحات جوهرية من شأنها توسيع مجال تدخّل العدل لمزيد ضمان استقرار المعاملات ولزرع الثقة في التعامل بين الناس وهي ثقة إهتزّت في السنوات الخاليات العجاف في المعاملات بين الناس حتى على مستوى معاملات الحياة المعيشية اليومية ، كما أنها إصلاحات تهمّ صميم الحجة العادلة وهو ما سيزرع الثقة والطمأنينة لدى المستثمر الأجنبي المتعود في بلده على التعامل بالحجة العادلة فهي ضمانة لجلبه والتي لا يمكن الطعن فيها إلاّ بدعوى الزور، وهو اليوم شئنا أم أبينا يتجنب الاستثمار في تونس لعدم وجود ضمانات في النصوص القانونية تُؤمّنه ضدّ جَوْر الجائرين وتسلّط أهل السلطة كما هو في العهد البائد ، فكم من مستثمر نسمع أنّه إتجه نحو دول شقيقة لا لشيء إلاّ لأنها تحقق له الضمان في المعاملات وتحافظ له على حقوقه ومكتسباته من خلال النصوص القانونية المتطورة والتي ترتقي بالحجة العادلة إلى مستوى يحقق للمستثمر الطمأنينة النفسية من خلال جناحي الحجة العادلة : القوّة الثبوتية والقوّة التنفيذية .
إلى أين وصلت المفاوضات مع وزارة العدل في خصوص هذا المشروع؟
هي في الواقع مفاوضات عسيرة وصعبة وأتمنى أن نخرج من ضيق هذا الطريق إلى الأفق الرحب لنرتقي إلى مصاف الدول المتقدمة بل أقول إلى ما يتميز على الدول المتقدّمة ، فثورة تونس يجب أن تكون ثورة في العقليات والأخلاقيات وثورة تقتلع كل قديم بائد من جذوره ومن المخلّفات هذه التُرسانة من القوانين المتخلفة التي وضعها والتي فتحت الباب على مصراعيه للتهرب الضريبي والفساد المالي ومن هذه القوانين تلك المتحكمة في المنظومة القضائية بكل مكوّناتها ، ومنها القانون المنظّم لمهنة عدالة الإشهاد.
ما هو تصوّركم للعدالة الإنتقالية؟
اختيارنا لهذا الموضوع هو نتيجة وعينا العميق وقناعتنا بأنه يجب أن نشارك في كل ما يخدم تونس ويطوّرها ويرتقي بها فنحن مكوّن من مكونات المجتمع ونحن مكوّن أساسي من مكوّنات المنظومة القانونية وكل ما يتعلق بحقوق المواطن ومصالحه ومعاملاته يهمّنا وندافع عنه باستماتة ولنا تصوّر متكامل يشمل أدّق التفاصيل والجزئيات يضمّ سبعة أبواب: فالأول يتعلق بتحديد الحقبة التاريخية وهو معطى هام للذاكرة الوطنية والثاني تحديد الفترة الزمنية لعمل الهيئة المستقلة للعدالة الإنتقالية والثالث تنظيم هذه الهيئة : مكوّناتها ، مجالات تدخلها، السلطات الممنوحة لها ورابعا مرحلة كشف الحقيقة وخامسا المحاسبة والمُساءلة وسادسا جبر الضرر وسابعا ضمانات عدم العودة لمثل هذه الانتهاكات، وهي تفاصيل نتركها لمؤتمرنا المبرمج يوم 27 ماي بالمهدية.
أي دور لعدالة الإشهاد في المنظومة القضائية ؟
عدالة الإشهاد تعتبر العمود الفقري في المنظومة القضائية بل إنها تتجاوز ذلك لتُمثل مؤسسة العدل الوقائي أو ما يُعرف بقضاء السلم ،فعدل الإشهاد هو الذي سيلعب دور القاضي قبل الخصومة أي أنّه يجنب الأطراف المتعاقدة كل الثغرات والتجاوزات والإخلالات التي قد تُؤدي بهم إلى الضياع في أروقة المحاكم، فهو يُمثل صمّام الأمان للمتعاقدين فيضمن لهم عقدا سليما شكلا وموضوعا ذو قوّة ثبوتية وبالتالي يحول دون لجوئهم إلى التقاضي .
نحن نُنادي بضرورة وحدة المنظومة القضائية بجميع المتداخلين الفاعلين فيها لهذا لا بدّ من إصلاح شامل لكافة مكوّناتها، إصلاح يكون على طاولة واحدة وأن يُعطَي لكل مكوّن من مكوّناتها مجالات تدخّله واختصاصاته ضمانا لحُسن سير مرفق العدالة .
أي دور يمكن أن تلعبه عدالة الإشهاد في إنماء الاقتصاد الوطني والمساهمة في حل مشاكل البطالة والفقر؟
مهمة عدالة الإشهاد محورية في النهوض بالاقتصاد ولكن شريطة أنّ نمنح الحجة العادلة حقوقها ودعائمها. ونُكمل نواقصها ، فمن خلال القانون الذي قدمناه للوزارة يمكن توفير ما لا يقلّ عن 5000 موطن شغل من حاملي الشهائد العليا ، ففي فرنسا مثلا يشتغل أكثر من 10000 موّثق مع ما يستلزمه هؤلاء من مساعدين وكتبة فقد يصل العاملون بمكتب واحد إلى العشرات من الموظفين ..
تعملون في إطار مجموعة متكاملة متناسقة فهل أنّ ذلك صدفة أم هوإستراتيجية عمل ؟
نحن عدول الإشهاد بكامل تراب الجمهورية كالجسد الواحد فلا نتخلى عن أي زميل ولا نخذل أي زميل ونحن نختلف في التوجهات والتصورات والأفكار ولكن نقف أمام عدالة الإشهاد وقفة الجندي الخاشع أمام علم بلاده ونمتثل للمصلحة العليا لعدالة الإشهاد إمتثال الإمام لرّبه في محراب صلاته ، وغايتنا زرع المحبة والأخوة والتضامن بين كافة أبناء عدالة الإشهاد بل وبين كافة أبناء تونس ، وشعارنا أننا لا نستسلم ننتصر وتبقى عدالة الإشهاد منارة للبلاد وسدَا منيعا في وجه الفساد .