الإصلاح عزيمة راشدة ونيّة خيّرة وإرادة مصلحة، وهو عبادة جليلة وخلق جميل يحبّه الله ورسوله وهو خير كلّه، قال تعالى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (النساء 128) كما أنّه شعبة إيمانية وشرعة إسلامية ورحمة إلهية. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات 10). والمصلح هو الذي يبذل جهده وماله ووقته وجاهه ليصلح بين المتخاصمين، فهو من أحسن النّاس قلوباً، نفسه تحبّ الخير، ويحمل هموم إخوانه ليصلح بينهما متبعا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلّم حيث كتب صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار على أن يعقلوا معاقلهم وأن يفدوا عانيهم بالمعروف (العاني: الأسير) والإصلاح بين المسلمين. (رواه أحمد) شروط المصلح والشروط التي يجب أن تتوفّر في المصلح:
1 استحضار النيّة الصالحة وابتغاء مرضاة الله. في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث اثنين ليصلحا بين رجل وامرأته ولكن رجعا إليه من دون أن يصلحا بينهما فضربهما عمر بالدرّة ولمّا سألاه لماذا؟ قال إن أخلصتما النيّة لاصطلحا ثمّ تلا قول الله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}(النساء 35)
2 تجنب الأهواء الشخصية والمنافع الدنيوية فهي مّما يعيق التوفيق في تحقيق الصلح. 3 لزوم العدل والتقوى في الصلح، قال تعالى {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الحجرات 9) 4 اختيار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين حتى يؤتي الصلح ثماره. 5 ابدأ بالجلسات الفردية بين المتخاصمين لتليين قلبيهما إلى قبول الصلح مع الثناء على لسان أحدهما للآخر. 6 استحباب الرفق في الصلح فتقول: يا أبا فلان أنت معروف بكذا وكذا وتذكر محامده ومحاسن أعماله ويجوز لك التوسع في الكلام ولو كنت كاذباً.عن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بن أبي معيط وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته أنّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لَيْسَ الْكَذابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا. (رواه البخاري). 7 ترك المعاتبة إبقاء للمودة لأنّ العتاب يجلب الحقد ويوغر الصدور وقد كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: رد الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن.
8 الدعاء بأن يجعل الله التوفيق حليفك وأن يسهل لك ما أقدمت عليه. وميادين الإصلاح نجدها في الأفراد والجماعات، وفي الأزواج والزوجات، وبين المتداينين، وفي الأقارب والأرحام، وفي القبائل والطوائف {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (الحجرات 9) وفي الأموال والدماء، قال تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} (البقرة 220) كذلك في النزاع والخصومات. فضل الإصلاح
ومن فضل الإصلاح أنّه يصلح المجتمع وتأتلف القلوب وتجتمع الكلمة وينبذ الخلاف وتزرع المحبّة والمودة وتكون الأمّة وحدة متماسكة... قال تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران 103).
وبينّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّ الإصلاح بين النّاس صدقة فقال صلى الله عليه وسلّم: إنّ على كلّ سلامة لابن آدم صدقة في كلّ يوم تطلع فيه الشمس قال الصحابة ومن يطيق هذا يا رسول الله، قال: وتصلح بين اثنين صدقة... (رواه البخاري) وجعله صلى الله عليه وسلّم من أفضل الأعمال حيث قال: ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة وصلاح ذات البين وخلق حسن. (السلسلة الصحيحة للألباني).
وتتجلّى أهميّة الصلح في فتح أبواب الجنّة والفوز بمغفرة الله لكلّ من كانت بينه وبين أخيه شحناء فتركها واصطلحا كما جاء في حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلّم مبيّنا ذلك فقال: تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلاّ رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلح.