تتصارع صفحات اليسار والنهضة في الموقع الاجتماعي حول تخفيف تصنيف تونس لدى مؤسسات الإقراض المالي، وفي الأثناء، تتعالى أعمدة دخان الحرائق من مدينة ساقية سيدي يوسف حيث تعطلت الحياة منذ أول أمس احتجاجا على استمرار تردي الوضع الاجتماعي. انتبه الناشطون التونسيون فجأة إلى أن مؤسسات التصنيف المالي بدأت تهتم بتونس، لأننا «أصبحنا مرهونين بالقروض الأجنبية» كما قرأنا في بعض صفحات المعارضة، ثمة كلام كثير خاطئ ومتضارب حول أهمية هذا التصنيف وتأثيره على مستقبل الاقتصاد الوطني لكن اسم المؤسسة الأمريكية «ستاندارد أند بورز» أصبح في قلب الصراع السياسي اليومي بين النهضة وخصومها. وتكشف أغلب التعاليق المنشورة حول هذا الموضوع عن توظيف سياسي وإيديولوجي لهذا الخبر، غير أن عدة ناشطين نشروا تعاليق جيدة وبسيطة توضح حقيقة المسألة.
نقل ناشط حقوقي فقرات من مقالات أجنبية حول تخفيض التصنيف الائتماني لتونس جاء فيها: «أولا ستاندارد أند بورز هي مؤسسة تصنيف أمريكية معروفة بميولاتها الاستعمارية تجاه الدول الصغيرة وتوجد عدة مؤسسات تصنيف أخرى مثل «فيتش» و«موديز» وإن كانت كلها معروفة بأنها تستعمل التصنيف للضغط على الدول الفقيرة، ثانيا هي خفضت تصنيف تونس إلى مستوى «ب ب ب»، وهو مستوى متوسط وليس كارثيا حتى في تعريف هذه المؤسسة التي تعتمد سلما من 23 درجة، ثالثا هناك عدة مؤسسات ذات مصداقية مالية كبيرة تعتبر تونس رغم وضعها الصعب حاليا في مرتبة متقدمة ومتفائلة على المستوى الإفريقي».
نشر ناشط يتزعم جمعية تنموية مقاطع من تقرير «ستاندارد أند بورز» عن تونس جاء فيها: «على الرغم من الاستقرار العام والتوافق منذ إزاحة الرئيس بن علي مطلع 2011، نعتقد أن عدم الاستقرار السياسي سيستمر على المدى المتوسط على الأقل إلى أن تتبنى تونس دستوراً جديداً وتنتخب حكومة».
ومن باب مسؤولية الحكومة، يدخل التوظيف والصراع السياسي في صفحات الناشطين في الصفحات التونسية، حيث تحمّل صفحات اليسار والمعارضة حكومة «الترويكا» وخصوصا النهضة مسؤولية هذا الوضع، كتب ناشط يساري معروف بالدعوة إلى إسقاط الديون في صفحته: «تخفيض تصنيف تونس يعني أن المؤسسات المالية سوف تقرضنا على طريقة شحم اليهود، أي بفوائض مضاعفة وسوف نضطر لرهن البلاد لدى الدائنين».
استثمر ناشطو المعارضة واليسار هذا التقرير لشن الهجوم على الحكومة، خصوصا بعد ما نشر من تصريحات المستشار الاقتصادي لرئيس الدولة والتي عبرت عن وجود أزمة في التصرف ونقص في أداء بعض المسؤولين في الحكومة. في المقابل، ينشر نشطاء النهضة وأنصارهم مقالات كثيرة يتهمون فيها اليسار واتحاد الشغل بالتسبب في تعطيل النشاط الاقتصادي بالتحريض على الإضرابات والاعتصامات والمطالبة بالزيادات في الأجور.
اعتبرت العديد من صفحات ناشطي النهضة تقرير التصنيف الائتماني «كذبة إعلامية» لا قيمة لها، وتم تداول تصريح للسيد إقبال البدوي وهو خبير تونسي وممثل مؤسسة «فيتش» الأمريكية للتصنيف الائتماني وفيه ما يفيد أن تونس تبقى من أحسن أربعة بلدان إفريقية حسب هذه المؤسسة.
وفيما يتبادل طرفا الصراع التهم حول تصنيف تونس، تعالت أعمدة دخان الحرائق من مدينة ساقية سيدي يوسف حيث يعتصم الناس احتجاجا على عدم تحقيق وعود الحكومة واستمرار الوضع المتردي للجهة، أفاقت مدينة الكاف على مشاهد تشبه حربا أهلية: دخان الحرائق في مركز الشرطة في برنوصة وبقايا العجلات المحترقة في الطريق العام، أكداس الحجارة التي استعملها بعض المحتجين لضرب أعوان الأمن والعشرات من عبوات الغاز المسيل للدموع التي أغرقت المدينة في الدموع والسعال. ما علاقة هذا بالصراع اليساري النهضوي حول تصنيف تونس ؟ تكتب ناشطة شابة من مدينة الكاف: «التصنيف الوحيد في الكاف هو اليأس والغضب والإحباط».