مرة أخرى يتعرض الفنانون للاعتداء بالعنف من قبل السلفيين من «أبناء» الحكومة أو من أبنائنا. كما وصفهم رئيس الحكومة ومن قبله راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة. وكان آخر ضحايا هؤلاء «الأبناء»، الممثل وأستاذ المسرح رجب مقري. فقد تعرض هذا المسرحي خلال الأسبوع الماضي للاعتداء بالعنف الشديد انتهى به الى احدى المصحات بالعاصمة. فمن يحمي الفنانين من «أبناء الحكومة» وماهو موقف الفنانين ممّا يتعرض له زملاؤهم من اساءات واعتداءات متكرّرة وكيف ينظرون الى مستقبل الابداع في تونس بعد تكرّر هذه الاعتداءات وصمت الحكومة عن منفذيها؟
أسبوع الاعتداء على الفنانين
لم يكن رجب مقري الفنان الوحيد الذي تعرض للاعتداء بالعنف من قبل السلفيين خلال الأسبوع الماضي، فقد لاقى السينمائي والأستاذ الجامعي بمعهد الفنون الجميلة بنابل محمد بن طبيب نفس المصير ومن «أبناء الحكومة» أيضا، حيث هاجمه أحد الملتحين بسكين. كما شهدت ضاحية المرسى في نفس الأسبوع خلال الاحتفال بيوم المسرح التونسي، استعراضا للسلفيين في سيارات مكتراة وهم يوزعون مناشير على المارة يدعون فيها الى قتل كل فنان في المدينة بتعلة أن الفنانين من الشواذ جنسيا.
تكرّر الاعتداءات
وتعد الاعتداءات على الفنانين من قبل هذه الجماعات المحسوبة على تيارات سلفية منذ 14 جانفي 2011، تاريخ سقوط النظام السابق. ظاهرة خطيرة برزت خصوصا مع عرض فيلم «لائكية إن شاء اللّه» للمخرجة نادية الفاني في قاعة «افريكار» التي أغلقت أبوابها دون رجعة بعد الحادثة التي حملت اسمها، ثم تكرّرت الحوادث بنفس الحدّة وأكثر مع المخرج نوري بوزيد ثم قناة نسمة على اثر عرضها فيلم «برسيبلويس»، وفي اليوم العالمي للمسرح مع فنانين كانت لهم عروض في المهرجانات الصيفية. كما تعرض الرسامون وعديد الأساتذة في التربية الفنية والمفكرون أمثال ألفة يوسف ويوسف الصديق وغيرهما، الى اعتداءات مشابهة من نفس العناصر السلفية.
مواقف الحكومة السابقة والحكومة الحالية
وإذا كانت الحكومة السابقة قد ندّدت على الأقل بالاعتداءات على الفنانين التي جدت في عهدها، فإن الحكومة الحالية لم تحرك ساكنا وظلت صامتة أمام جلّ الاعتداءات بل أنها وصفت منفذيها بأنهم من أبرز «أبنائنا» كما قال رئيس الحكومة المؤقت السيد حمادي الجبالي ومن قبله راشد الغنوشي زعيم حزب حركة النهضة فماذا تريد الحكومة أن تقول؟
الثقافة في حزب النهضة!
لا أعتقد أن الفنانين في نظر الحكومة هم «لقطاء» من غير أبناء الشعب التونسي أو هم قدموا من كواكب أخرى، والدليل أنها (أي الحكومة) حافظت على وزارة الثقافة ولم تقدم على إلغائها!
كما أن وزير الثقافة المعروف بانفتاحه ونشاطه في المجال الثقافي لم يتردد في دعم المبدعين والوقوف الى جانبهم في جلّ الأزمات ولكن هذا وحده لا يكفي، ووزير الثقافة وحده غير قادر على صدّ «أبناء الحكومة» إذا ما تعرضوا للمبدعين والفنانين!
الواضح أن وزراء حزب حركة النهضة الذين يمثلون الأغلبية في الحكومة لا يهتمون كثيرا بالثقافة والابداع بقدر اهتمامهم ب«أبنائهم» حتى وإن أخطؤوا. والدليل أنهم غالبا ما يبحثون لهم عن أعذار إذا ما هم اعتدوا بالعنف عن هذا الفنان أو ذاك.
كما أن مواقفهم من الاعتداءات على الفنانين غالبا ما تكون غامضة وفيها محاولة لارضاء الطرفين حتى وإن كان «أبناؤها». مخطئين أو مذنبين. أضف الى ذلك غياب قيادات حركة النهضة في الحكومة، عن جلّ التظاهرات الثقافية التي تقام في البلاد وكأن الابداع في نظرهم مضيعة للوقت أو هو من عمل الشيطان.
كما أن الأنشطة الثقافية والفنية تحديدا تكاد تكون غائبة في نشاط حزب حركة النهضة على عكس الأنشطة الدينية والسياسية. أما الفنانون والمبدعون، فهم ربما أبعد ما يكون عن تفكير قيادات وعناصر الحركة. فمن يحمي هؤلاء من أبناء الحكومة؟
حرب أهلية
إن المجتمع المدني بجمعياته الثقافية والحقوقية ونقاباته المهنية وبعض الأحزاب الديمقراطية هو الوحيد تقريبا الذي ظل مساندا للمبدعين والفنانين في أزماتهم، ولكن ماذا يفعل هذا «المجتمع» الغريب بدوره عن «عائلة الحكومة» مثله بالضبط مثل الفنانين والمبدعين، أمام تغول «أبناء الحكومة»، إذ كانوا هم أنفسهم يتعرضون الى نفس الاعتداءات وأحيانا أكثر؟
هل يلجأ الفنانون الى تبني «أبناء» بنفس الصفات والسلوك المتوفرة لدى «أبناء الحكومة» لحماية أنفسهم وهو ما بدأت الدعوة إليه منذ الأسبوع الماضي على صفحات الموقع الاجتماعي «فيس بوك» على اثر الاعتداءات على الممثل رجب مقري، أم يدعون أهاليهم وعروشهم وكل مسانديهم لتكوين لجان شعبية تدافع عنهم في حال تعرضهم للاعتداء من «أبناء الحكومة»؟
إن ما نخشاه هو أن يكون «أبناء الحكومة» ومن وراءهم يدفعون في اتجاه ذلك لاثارة الفتنة ولاشعال حرب أهلية في البلاد.