كتبها الشاعر التونسي: الصادق شرف(1) بكثير من التركيز قرأنا واعدنا قراءة ما نشره الكاتب رياض خليف تحت عنوان لفت انتباهنا وأفاض فضولنا على أول كلمة منه وهي (سيف) حسبناه سيف المرّي فإذا هو سيف الرحبي وقد نشرت مجلة دبي الثقافية لكل من السيفين كتابا.. أهدتهما الى المثقفين العرب تحت عدد 23 و30. وكما قرأنا ديوان سيف المرّي وكتبنا عنه قرأ الزميل رياض خليف كتاب سيف الرحبي وكتب عنه مقالا دفعنا الى قراءة تأليف الرحبي ظنّا منا أننا نقرأ ديوانا كما ذهب الى ذلك رياض فإذا بنا نخالف مذهبه، ولا نوافقه الا على جزء ضئيل نقتطف منه أهمّه وهو قوله: «قدّم وجها ممتازا للأدب العماني، وكشف لنا عن نص من النصوص الجميلة التي تضيع عنا في زحام النصوص... مثلما كنا صغارا نضيع في الاسواق...». هذا المقتطف تحدّث فيه رياض خليف عن الأدب العماني وما فيه من النصوص الجميلة دون ذكر كلمة: (شعر) بأسلوب ثريّ نثري فيه من الشعرية ما لم يستطع الوصول اليه لا سيف المرّي ولا سيف الرحبي لأنهما كانا معا مقلدين بامتياز. بيد أننا نحن أبناء الادب المغاربي كنا.. ومازلنا ضائعين في أسواق ما يرد علينا من الشرق تحت تأثير عقدة (متنبي المغرب) ولعل ذلك ما دفعنا الى كتابة هذه المتابعة من «النقد المقارن» لنبسط وجهة نظر تخالف رأي رياض خليف. ولا نظنّ ان رياضا يخالف من قال: «أخالفك الرأي ولكني مستعد للتضحية بحياتي في سبيل ابداء رأيك» لهذا نراسل مرافئ ثقافية لجريدة الشروق بهذه المداخلة النقدية التي عنوانها: «أبو وجدان بين سيفين... لماذا؟». نعم.. لقد زجّ أبو وجدان بذاته وبكلماته بين سيفين! ولكن لماذا؟ أهو الدفاع عن الشعر العربي؟ أم هي تجربة المرور بين سيفين غير خارقين؟ أجل.. السيف الاول غير خارق للمعتاد ما دام مقلّدا للقصيدة العربية القديمة، والسيف الثاني غير خارق للمعتاد مادام مقلّدا ايضا لقصيدة النثر الغربية، فكانا معا بذلك التقليد سيفين مبدعين ابداعا لا مجال للشك فيه، ورغم عدم الشك في ابداعهما لم نقتنع بأنهما حاولا تغيير سقف العالم بالرغم من أنهما يعرفان أن المبدعين هم الذين غيّروا سقف العالم من الوريث // الى الحديث // من الجواز // الى الممتاز // من الاتباع او الانصياع // الى الابداع. اذن ما أبدع المرّي الا في الاتباع؟ // وما أبدع الرحبي الا في الانصياع، وبقدر ما أبدع السيف الاول فعلا في اتباع خصائص القصيدة العربية القديمة معانيها ومبانيها بقدر ما أبدع السيد الثاني فعلا في الانصياع لقصيدة النثر التي رأى (بودلار) ورامبو وسان جون بارس وأحفاد تلامذتهم أنه شعر حداثي، وحدوثه في الغرب لا يبرر اعتباره في الشرق شعرا الا كما يبرّر الشرقي عودته المفاجئة من الغرب بامرأة ذات عيون زرقاء وشعر أشقر وبشرة رقطاء! اذن تبيّن لنا أن السيفين يمتطيان لوحة واحة في الخضم تتقاذفهما معا أمواج التقليد.. الا ان الاول كان تقليده واعيا وكان تقليد الثاني تقليدا مبصّرا حتى اذا ادعى أن تقليده ذو بصر فهو تقليد لا بصيرة له! ذلك ان ذوي البصيرة اذا كانوا ضعفاء البصر فضعف البصر كما هو معروف يرتد على البصيرة قوة وفاعلية، فإذا كانت البصيرة مفقودة فلا يكون البصر إلا أكثر فقدانا عند من لم يستطع أن يدرك أن الانصياع يؤدي الى الانصداع. ألذا جاءت قصائده النثرية تقليدا فجّا متصدّعا بين المبنى والمعنى والصورة والانزياح كما جاءت قصائد السيف الأول هي أيضا تقليدا لا يعجز من حين لآخر عن تجاوز جميل للقصيدة العربية القديمة، غير ان ذلك الجمال يصاب حينا بالبهتة اللغوية وسنقوم في هذه المتابعة النقدية بذكرها لا بحصرها لأن حصرها قد يحاصر القارئ بالملل خاصة وأن قرّاء العربية وهم من (أمّة اقرأ) ولا يقرؤون صار بعضهم اليوم لا يفرّق بين اللحن المزعج والموسيقى ولا بين الملحون والفصيح! بل لعلّ الملحون صار يفرّق الأقطار العربية بعضها عن بعض بقدر ما كانت الفصحى تحيي الموات وتلمّ الشتات وتلحَم ضفة الجرح بالضفة الأخرى فإذا بالملحون يباعد بين ضفتي الجرح ويمرّر بينهما الصديد والحديد والألم الشديدَ!؟ 1 انطلاقا من عنوان الديوان لقد أطلق السيف المري على ديوانه إسما أوحى لنا بحالتين اثنتين لاحقتا الشاعر في حدود العنوان حيث يتركّب العنوان من كلمتين هما: «الأغاريد والعناقيد» أوحت لنا الكلمة الأولى بالفرح وأوحت الثانية لنا بالوجه الآخر للفرح. فالأغاريد: غناء الطائر وجمع لأغرودة. وهي عند الانسان الأنشودة وتجمع على أناشيد ومعناها: «الشعر الذي ينشده القوم بعضهم بعضا وما يترنّم به من النثر والنظم خاصة». والعناقيد هي جمع عنقود وهو مجموعة من الحبات تعانق بعضها بعضا او تتعنْقد حول نفسها لتكوّن عناقيدَ، وكل عنقود هو غضبة تضرب منطقة للاحتلال الأجنبي او الداخلي لتحرير الوطن من تلك الخبائث الداخلية او الواردة من الخارج بالعتاد المشحون موتا وهلاكا ودمارا لكل ما هو بشر وشجر وحجر. كلّ هذا تصوّرناه مندرجا تحت كلمة العناقيد في عنوان الديوان إلا أننا لم نجد ما صوّره لنا العنوان داخل دفّتي الغلاف بل وجدنا تقسيما آخر يشي ببعد آخر لثلاثة أبعاد تندرج تحت ثلاث كلمات هي: وَلَه // الأغاريد // العناقيد تقاسمت الديوان الى مجموعة أولى عنوانها: وَلَه من ص 19 الى ص79 حيث تبدأ المجموعة الثانية المنقسمة على نفسها أيضا بين الأغاريد والعناقيد معا لا كما كان يتصوّر القارئ ان الأغاريد وحدها هي المجموعة الثانية والعناقيد هي المجموعة الثالثة إلا ان ذلك التصوّر ظلّ مختبئا في ذهن هذا القارئ الناقد للسيفين المقلّدين. ولئن أفلح الأولى في تقليده لأبيه فقد خاب السيف الثاني في تقليده لمن علّموه رغم اعجابه بالطاووس الذي اعجب بمشية الحمام فضيّع مشيته! فحقّ على السيفين معا قول الشاعر (بتصرف): مشى الطاووس متّبعا حماما فقلّد شكل مشيته بنُوهو فقال: علام تتّبعون؟ قالوا: أتَيتَ به ونحن مقلّدوهو فعدّل شكل ما استوردتَ إنا إذا عدّلت نحنُ معدّلوهو أما تدري: أبانا؟ كل فرع يجاري في الخطى من علّموهو وينشأ ناشئ الشعراء منّا على ما كان عوّده أبوهو يتبع