ماذا يجري هذه الايام في البلاد ? ذلك هو السؤال الذي تتداوله مختلف الأوساط ويؤرق الأذهان منذ بداية هذا الاسبوع في ظل عدم وضوح صورة الاحداث بشكل جلي وعدم الكشف عن حقيقة نوايا من حركوا الفتنة الاخيرة التي تسببت في الكثير من الأضرار في الممتلكات العامة والخاصة وأوجدت الكثير من الحيرة والفزع بين الناس وطرحت اكثر من استفسار حول مصير مسار الانتقال الديمقراطي وماله. ولئن بات من شبه المؤكد ان التقاء مصالح حصل بين عصابات إجرامية استغلت الظرف للنهب والحرق ومجموعات سلفية استجابة لنداء زعيم القاعدة ايمن الظواهري فان ذلك لا يمكنه ان يعطي الصورة الحقيقية للمشهد ولما جرى نظرا لحالة المغالطة والأكاذيب والإشاعات التي رافقت الاحداث منذ انطلاقها من قصر العبدلية بالمرسى الى بلاغ وزارة الداخلية امس الذي كان مشحونا بالمحاذير والمخاوف من امكانية حدوث المزيد من التطورات الى عدول حركة النهضة عن تظاهرتها الاحتجاجية اليوم تقديرا منها لدقة الظرف.
ان المخفي اليوم في الفعل السياسي لدى السلطة والمعارضة أضحى اكثر اتساعا وحجما من المعلن عنه في انتظار ما ستكشف عنه الأبحاث الأمنية والقضائية من حقائق وأدلة عن طبيعة من حرك الاحداث وسعى لتوظيفها سياسيا وحزبيا بغاية المس من هيبة الدولة والاستقرار العام في البلاد.
بلغت العلاقة بين الفاعلين السياسيين قبل الاحداث الاخيرة حالة من القطيعة وانعدام الثقة وغياب التواصل بما أوحى ضرورة بأن ما جرى من حرائق كان نتاجا منطقيا لتجاذب سياسي عنيف وحاد انتهى بالمطالبة بإسقاط الحكومة الحالية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني او تسليم مقاليد إدارة البلاد الى المؤسسة العسكرية وهي المطالب التي تواصلت اثناء الاحداث الاخيرة وبعدها.
ان انغلاق قنوات الحوار والابتعاد بالحياة السياسية عن روح المشاركة الفاعلة بين جميع الأطراف بل استعادة مقولات الإقصاء والاستبعاد وتبريرات المؤامرة والانقلاب والتشكيك في هيبة الدولة ومحاولة ضرب وحدة المؤسسة الامنية كلها كانت عناوين فشل للطبقة السياسية في حسن المسك بدواليب إدارة الخلافات الموجودة وبلوغ درجة معقولة من الوفاق والاتفاق حول أولويات المرحلة الراهنة ومتطلبات المرحلة القادمة.
ان توظيف الشارع ومشاعر الشباب -وخاصة المتدين منه- وعواطفهم والتلاعب بالحقائق وتزييف الوقائع كلها مؤشرات لعدم جدية في الفعل السياسي وتعمد الأجندات المشبوهة التي تحدث الفتنة والاختناق ومزيد القطيعة والصدام, كلها سلوكات صادرة عن نوايا في الفعل السياسي الخاطئ.
لقد حان الوقت لكي يعدل سياسيونا عقارب ساعاتهم وان يخرجوا عن صالوناتهم المغلقة وان يعلنوا عن نواياهم بعيدا عن أجندات الكواليس وبعيدا عن التخويفات وسياسة التامر والتعطيل وتوريط الخصوم.