من هذه النّافذة أطللت عليكم طيلة العام الماضي: قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها، فنبّهت، وناديت ، وذكّرت، وكرّرت، وأيقظت، وقارنت، ووعظت، واستشهدت، وضربت الأمثال. فعلت ذلك استباقا لما كنت أخشاه، ودعوة إلى الاتّعاظ بوقائع التاريخ القريب، فالسّعيد هو من اتّعظ بغيره. كنت خائفا من ارتهاننا إلى قوى أو إملاءات خارجية، فرويت (خلال فيفري) كيف قايضت وسيلة بورقيبة أمنها هي وزوجها بتدخّل جزائري عند الاستنجاد، فأحسّ التّوانسة كأنّهم «خمّاسة» يسكنون هذا الوطن على سبيل الفضل والمعروف. ثمّ سألت: «يا أهل تونس! هل ترضون أن يعاد عليكم مثل هذا؟ فإن كنتم ترضون فلستم جديرين بالحياة». ونبّهت في الشّهر الموالي: «إنّ المواطن عندما يكره وطنه يتحوّل إلى مشروع مهاجر يبحث عن وطن بديل، أو إلى مشروع ثائر ينتظر اللحظة المناسبة لينقلب على النّظام الفاسد بحثا عن طهارة تليق بهذا الوطن».
وعندما برزت الأحزاب كالفقاقيع خاطبتها (في مارس) بإنّ «عليها عدم الانغلاق في إيديولوجياتها وتحالفاتها (...) وعليها أيضا شحذ الوعي لدى مناضليها بأهميّة الرّهان الدّستوري الواجب تحقيقه . إذ الإحساس بالمواطنة هو فوق كل اعتبار وفوق كلّ الحساسيات السياسويّة، فالظّروف العسيرة التي مرّت بها بلادنا تحتّم على جميع الأحزاب اعتماد الثقافة الدّيموقراطية في أصالتها وطهارتها وجعلها دعامة المواطنة والحياة الجماعيّة»..
في الشهر الموالي (أفريل 2011) كتبت: «يا أبناء وطني انتبهوا إلى كم «جلغة» ستنفتح عليكم في الانتخابات القادمة، تظهر لكم شيئا وتخفي عنكم أشياء، فاستحضروا العقول ولا تكترثوا بمعسول الكلام». في نفس الشهر نبّهت إلى خبث الزّعماء الجدد الذين شحذوا أسلحتهم للانتخابات وناديت: «ميّزوا يا أهل تونس بينهم، افحصوهم جيّدا ولا تمضوا الصّكوك على بياض لكائن من كان».
وكتبت في ماي: «يضحكني كثيرا انتفاخ بعض سياسيّينا في التّلفزات إعجابا ببلدهم المتجانس الخالي من النّعرات المذهبيّة والطّائفيّة (هل ما زال كذلك؟) وافتتانا بشعب تونس الذي لم يشقّه خلاف ولا عرف الانقسام والتّشرذم في تاريخه، ولم أعرف إن كانوا يفعلون ذلك جهلا أم تجاهلا ؟ إنني أنبّههم! فليس على الأرض شعب معصوم من التّعصّب والتّطرّف ( انظروا ما يحدث الآن !) وعوض أن تفتخروا يا هؤلاء ثمّ تذهبون إلى النّوم توقّفوا عن تحريض النّاس على الخلاف والبغضاء.»
وفي جوان حذّرت راجيا ... «ممّن فرحوا بقيام الثّورة أن يكفّوا عن إثارة النعرات والضّغائن، وأن لا يتقصّدوا تعويض عهد الظّلم الغاشم بعهد أكثر ظلما، فالأيّام قد أثبتت أنّ المقهور والمغلوب والمظلوم ينام على غيظه لكن لا ينساه. ومن قال إنّ شعب تونس لا ينساق إلى الفتنة ولا يدخله الشّقاق بسهولة هو إنسان واهم أو مداور أو مغالط . فالخطر قائم والحذر لازم».
في الشهر الذي يليه نبّهت إلى ظاهرة التطرّف مستعينا بكتابات باحث مصريّ يقول: «التّعصّب أصوليّة، والأصوليّة تعصّب قد ينقلب إلى قمع لا يعرف معنى التّسامح في أيّ اتّجاه، وإلى عنف قابل للانتشار في كلّ مجال بوسائط معنويّة ومادّيّة، تبدأ باللّغة ولا تنتهي بالخنجر أو البندقيّة أو القنبلة».
في شهر سبتمبر كتبت: «ها هي الانتخابات على الأبواب وبعد خمسة أسابيع سوف تضع الصّناديق كلّ «المزروبين» أمام ما احتطبوه بليل من وعود وأطماع (...) كذب الواعدون والموعودون على أنفسهم ونافقوها بأنّ كلّ شيء يمكن تحقيقه «توّه».
فما أصعب ذلك. ويا خوفي عليهم جميعا بعد أن يذهب الحلم ويطلع النّهار!». واختتمت العام في شهر ديسمبر بمقال عن حرف «السّين» المشتهر عندنا منذ نصف قرن بالخبث والتّلاعب والكذب ونكث العهد الذي استعمله سياسيّون حكموا البلاد فأكثروا فيها الفساد وعوّدوا أهلها على التّخاذل والتّنازل حتّى صاروا يسمعون ويطيعون. تقول الآية الكريمة: «يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، وما يذّكّر إلاّ أولوا الألباب». اللّهمّ إنّي قد بلّغت فاشهد!