تزامنا مع الأوضاع غير الايجابية التي عاشتها بلادنا في الآونة الأخير، والتي ارجعت أسبابها الى لوحات تشكيلية بقصر العبدلية، أو بمعنى أوسع الى نشاط ثقافي، انطلقت منذ ثلاثة أيام، الدورة الاولى ل «ملتقى قرطاج الدولي للموسيقى البديلة»، تحت شعار «موسيقى وسلام» وتتواصل التظاهرة الى غاية يوم 20 جوان القادم بمتحف قرطاج. هذا المولود الثقافي الجديد، جاء في الوقت المناسب، حيث مثّل متنفسا لشباب يعشق الابداع في كل تمظهراته، ويملّ سياسة حساباتها الضيّقة لا تتماشى وأحلام هذا الشباب الباحث عن الجمال والحيوية والحرية من أجل بناء تونس الجميلة... تونس الحرّة.
وتجدر الاشارة الى أن هذه التظاهرة التي انتظمت في ظروف استثنائية تعيشها البلاد، لم يكن من السهل نجاحها خاصة وأن عرض الافتتاح الذي أثثتاه كل من المطربة التونسية بديعة بوحريز، والفنانة اللبنانية ياسمين حمدان، والتأم في ظروف صعبة كانت تعيش فيها العاصمة كعديد الولايات حصر تجوّل.
ورغم ذلك كان الاقبال كبيرا، ونجح العرض الافتتاحي كما نجح العرض الثاني الملتئم مساء أول أمس بمتحف قرطاج وأمّنه الثنائي زيد حمدان (لبنان) ومريم صالح (مصر).
مريم صالح عبّرت ل «الشروق» عن اعجابها الشديد بالجمهور الحاضر، وبالتظاهرة ككل، وقالت ان هذا الشباب هو شباب الثورة، كما أشقاؤه في مصر، كما صرّحت بكونها لم تجد خيارا خاصا بها في الانتخابات المصرية، ورجّحت خيار ثورة ثانية..
هذا بخصوص الفنانة المصرية، لكن الأهم في نظرنا هو نجاح تظاهرة ثقافية في غمرة استهداف متكرر لهذا القطاع. هذه الدورة الأولى من ملتقى قرطاج الدولي للموسيقى البديلة، كان بديلا ثقافيا «ثوريا» لما هو كائن على الصعيدين السياسي والاجتماعي ولما يطغى عليهما من ملل، أصبح يؤرق المواطن التونسي الذي لا حسابات سياسية لديه.
ويذكر أن هذه التظاهرة تنظّمها المندوبية الجهوية للثقافة بولاية تونس، تحت اشراف وزارة الثقافة. مازالت الموسيقى البديلة متواصلة ومازال الشباب يتنفس إبداعا، ومع «مشروع ليلى» (المجموعة اللبنانية) ومع الفلسطينية كاميليا جبران ومع خيام اللامي من العراق، سيستمتع الجمهور ببدائل مختلفة موسيقيا عما هو كائن في العالم العربي، في تظاهرة بمتحف قرطاج هناك على مسافة قريبة من المسرح الأثري بقرطاج... هناك تحدّث المتحف موسيقى بديلة، معلنا من خلالها تأسيس مهرجان موسيقي مختلف عن مهرجان قرطاج الدولي. له جمهوره الخاص، وله رونقه الخاص وبخاصة مع تلك المناظرة الخلابة التي تظهر للحضور من أمام المتحف.
كما تجدر الاشارة أيضا الى أن العروض الأولى لهذه التظاهرة التي حضرها عدد هام من السياح من فرنسا وإيطاليا، وأفارقة، وعرب (المشرق العربي)، وأبدوا اعجابهم بها كما أبدوا ارتياحهم للظروف الأمنية الجيّدة، وهذا في حد ذاته اعتراف من شأنه ان يخدم السياحة الثقافية خاصة والسياحة التونسية عموما.
فتونس اليوم، وفي فصل الصيف تحديدا ليس بها حرق، وأجواء سياسية مشحونة فحسب، بل هي تونس جميلة على الدوام بها فكر وفن وإبداع يرقى بها وبمجتمعها، ويدعو الجميع الى زيارة تونس واكتشاف جمالها الطبيعي والفنيّ.