المرابحة والمغارسة والمزارعة والاستصناع والسلم والمساقاة وغيرها من منتجات البنوك الاسلامية عاد الحديث عنها بأكثر عمقا وتفصيلا بعد الثورة.. «الشروق» بحثت في الموضوع على هامش الندوة الصحفية للملتقى الدّولي الأوّل بصفاقس حول الاقتصاد والماليّة الاسلاميّة. لقاءات جمعتنا مع الشيخ محمد قويدر المختص في الفقه والسياسة الشرعية ومحمد مقديش الخبير المحاسب ورئيس الجمعية التونسية للزكاة للحديث عن البنوك الاسلامية ونقاط اختلافها مع البنوك التقليدية.
البداية كانت مع محمد قويدر خريج كلية الشريعة اختصاص فقه وسياسة شرعية الذي اكد انه «للتفريق بين البنوك الربوية التقليدية والبنوك الاسلامية يمكن ان ننطلق من «المرابحة» كبيع سيارة مثلا فسنرى الفرق واضحا بين البنك الاسلامي والبنك التقليدي واول فرق جوهري واهمه ان البنك التقليدي لن يشتري لك السيارة مطلقا وانما سيعطيك مالا لترد اليه مالا مع فائض وهو ربا وما السيارة الا حجة لطلب المال فقط دون أن ينفذ البنك التقليدي حقيقة طلب شراء السيارة وما فعله لا يتعدى ان يكون اعطاء وصل لشراء السيارة وهو ما يعني انه دفع مبلغا من المال سيسترده مبلغا اكثر منه والدليل على ذلك انه لا يضمن السيارة ولا تنتقل ملكيتها اليه قبل بيعها ولا يضمن جودتها ولا يتحمل مسؤولية عيوبها إن ظهرت بعد شرائها ولا يتحمل مسؤولية ان كانت السيارة مسروقة وغيرها من الضمانات أما المعاملة التي يقوم بها البنك الاسلامي كبيع «المرابحة» مثلا فتتمثل في ان يشتري الحريف السيارة أو غيرها من البنك مباشرة».
«وفي التعامل مع البنك الاسلامي شروط عديدة وجب توفرها كمعرفة الحريف لراس المال والتداول (التفاوض) على نسبة الربح وضرورة امتلاك البائع للمبيع قبل بيعه امتلاكا حقيقيا ليدخل في ضمانته قبل ابرام عقد المرابحة ليبيع البنك بذلك ما يملك حقيقة لان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نهانا عن بيع ما لا نملك ويتم بعد ذلك الاتفاق على كيفية سداد الثمن (اقساط محددة قدرا وزمنا) ولا تجوز الزيادة في مقدار القسط بسبب التاخير في الدفع وفي صورة حصول البنك على تخفيض مثلا لدى شرائه السيارة اوالمنزل فان الحريف يستفيد من هذا التخفيض وهذا البيع يسمى بيع الامانة ويدخل في قوله تعالى {إن الله يأمركم ان تؤدوا الامانات إلى أهلها} (الاية 58 النساء)».
هذا المثال يبرز ان «المرابحة» في البنك الاسلامي تختلف جوهريا عن عملية البيع في البنوك التقليدية بالاضافة إلى ان البنوك الاسلامية تقوم بنفس العمليات المالية ولكن بطرق اخرى وأهمها «المرابحة» و«المضاربة» و«المغارسة» و«المزارعة» و«المساقاة» و«الاستصناع» و«بيع السلم» (بيع يقدم فيه الثمن في انتظار قدوم البضاعة) و«الحسابات الاستثمارية» و«الحسابات الجارية» (ضمن باب القرض الحسن بان يودع الحريف امواله في البنك الذي يضمنه في كل الاحوال وبامكانه ان يستثمره) و«الودائع» و«بطاقات الائتمان» (يقتطع ثمنها من البداية بالاتفاق مع الحريف) و«تمويل التوريد».
محمد مقديش خبير محاسب ورئيس الجمعية التونسية للزكاة يبين من ناحيته ان «الفروق كبيرة بين البنك التقليدي والبنك الاسلامي من حيث المبادئ أو طريقة المعاملات فالمعاملات مع البنوك الربوية تقوم على «الغرر» اذ تحاول البنوك ان تضمن نفسها بكل السبل ولا يهمها ان تعرض حريفها لضيق مالي أو شارف الافلاس نتيجة الظروف الاقتصادية وغيرها فيكون ربحها موجودا بقطع النظر عن المشروع وجدواه الاقتصادية بل قد تقدم البنوك التقليدية اموالا للمضاربة على بضاعة افتراضية قد لا تتحقق في المستقبل لتكون النتائج كارثية كما حدث في دبي في مسالة العقارات التي بيعت عشرات المرات وهي لا زالت على الورق فارتفعت اسعارها عشرات المرات في ظرف سنتين دون ان يقابلها على ارض الواقع عقار مادي محسوس وعندما ارادوا البيع في نهاية المضاربات كانت العقارات لا تساوي ما وصلت اليه من اثمان فنزلت الكارثة على عديد المستثمرين بينما الاقتصاد المالي الاسلامي يعتمد على المشاركة بمعنى ان البنك يشترك مع الحريف في دراسة جدوى المشروع ولا يقدم له اموالا مباشرة وانما يسدد له اثمان سلع والات وفي صورة دخول الحريف في ضائقة مالية أو ما يعبر عنه «المعسر» فيعجز عن سداد ديونه فان البنوك تتوقف حينها عن المطالبة بأموالها ونجد نفس الشيء في الايجار الاسلامي فإذا تكفل البنك الاسلامي بشراء سيارة أو شاحنة لحريف ثم سرقت فان البنك يتوقف عن المطالبة بامواله على خلاف الايجار التقليدي» «فالمعاملات الاسلامية تقوم على مبدا «الغنم بالغرم» وهو ما يعني ان الربح مطلوب من البنوك لكن عليها ان تتحمل ايضا مخاطر الخسارة مع حريفها وهي اخلاق المعاملات المالية الاسلامية التي انطلقت في الخليج العربي ثم مصر والسودان وتوسعت إلى شرق اسيا وخاصة ماليزيا حيث عرفت اكبر ازدهار لها ثم توجهت إلى أوروبا منذ سنوات قبل الازمة الاقتصادية وبعدها لترتفع ارقام معاملاتها بشكل واضح وكبير بلغ نسبة 200 و300% وهو دليل على ان المستثمر العالمي يبحث عن الربح وما في ذلك شك ولكنه ايضا يبحث عن الاخلاق في المعاملات ولعل اهمها التشارك في تحمل نسبة المخاطرة وان تكون المعاملات على اشياء مادية لا وهمية فالفائدة الحقيقية ليست المال في حد ذاته وانما في النماء والعمل فالنقود في العالم كثيرة لكن النشاط الفعلي لا يتجاوز 10 % فقط وهذا ما جعل الاقتصاد الاسلامي ينادي بضرورة ان تكون النقود موازية للنمو الحقيقي في الاقتصاد».
ويختم الخبير المحاسب حديثه بقوله «للاقتصاد الاسلامي جناحان الجناح الأيمن هي المعاملات المالية الربحية الاستثمارية والبنوك والمشاركات وعقود السلم والاستصناع وغيره اما الجناح الثاني فيقوم على العمل الخيري التكافلي من زكاة ووقف وصدقة فالزكاة منظومة كاملة تساهم في تطوير المعاملات الاسلامية وللزكاة جانبان اولهما عقائدي ديني ضمن اركان الاسلام الخمسة وثانيهما جانب مالي يطور الاقتصاد الاسلامي بعد أن أصبحت بيت الزكاة مؤسسة اقتصادية تجبر الغني على الاستثمار وعدم الاكتناز الذي يستنزف الثروة وينقصها من سنة إلى اخرى فيكون الاستثمار بذلك وسيلة للعمل والتنمية كما ان الزكاة من ناحية اخرى امان للغني اذا افلس بان يساهم احد مصارفها («وفي الغارمين») في انقاذه من الافلاس ليحس الانسان حينها بالامان والامل في غد افضل».