يتواصل في مدينة بني خيار حاليا الجدل والنقاشات حول موضوع «أراضي الوادي الكبير» والانتخابات التّي شهدت الكثير من مظاهر الشّغب والاختلاف منذ انطلاقها حتّى نهايتها والتّي لم يُكتب لها أن تفصح عن الطّرف الفائز. هذه الانتخابات ستفرز المشرف على التصرّف في هنشير الوادي الكبير بعد ان كان طيلة سنوات عديدة مثار نقمة الأهالي لما كانوا يرون من مظاهر فساد في ادارته دون القدرة على مواجهة ذلك الفساد أو حتّى الحديث فيه بكلّ حريّة.
فأراضي الوادي الكبير ظاهرة فريدة في البلاد التّونسيّة، فهو هنشير شاسع يمسح ما يقارب 914 هكتارا وملكيّته جماعيّة لجلّ أهالي مدينة بني خيار بحكم وصيّة الأجداد منذ مطلع القرن العشرين، وهو كنز حقيقيّ يمكن أن تستفيد منه المدينة كلّها على امتداد قرون لو أحكم الأهالي استغلاله ولو نجا من احتكار بعض المتنفّذين لخيراته وثرواته المتنوّعة. تحرّك الأهالي بعد الثورة، وفرضوا على اللّجنة القديمة التخلّي، ووقع تنصيب لجنة تصرّف مؤقّتة أشرفت منذ قرابة السنة على ادارة الأراضي، وقامت بالكثير من الاصلاحات من أهمّها ضبط حدودها وجرد ما تحتويه من موارد واسترجاع بعض ما ضاع من أجزائها اضافة الى الاعداد لانتخابات نزيهة لتحديد لجنة تصرّف جديدة في الأراضي. الانتخابات تقدّم اليها عدد من القائمات المستقلّة من ضمنها قائمة شباب الثّورة التّي كانت تمنّي النّفس بالفوز بحقّ التصرّف في أراضي الوادي الكبير، وقدّمت في حملتها الانتخابيّة مشروعا بدا طموحا وقريبا من روح القيم التي قامت من اجلها الثّورة كما يقول البيان الانتخابيّ، ولكن البعض رأى أنّ القائمة لا تضمّ عناصر قادرة على التصرّف بحكمة في الأراضي لافتقار التّجربة والمستوى المعرفيّ والثقافيّ والعلميّ المطلوب في مثل هذه المسؤوليات. وقد شارك في الانتخابات خلال الشهر الماضي كلّ من رغب في ذلك من أهالي المدينة على خلاف ما ينصّ عليه القانون الأساسيّ الذي يمكّن فقط ممثّلا عن كلّ عائلة من العائلات القاطنة في المدينة. وكان هذا من أهمّ طلبات «شباب الثّورة» الذين فرضوا فتح المجال أمام الجميع وكانوا يعلّقون آمالا على تمكين الشباب من الانتخاب للاستفادة من أصواتهم. لكن عدم فوز قائمتهم في الانتخابات أغضب المتعاطفين معهم، فاقتحموا قاعة الفرز واحتجّوا على ما أسموه «تزويرا للانتخابات» و«عودة الى ممارسات العهد البائد»، ثمّ مزّقوا الأوراق والوثائق واطردوا الجميع من القاعة معتبرين أنّ هذه الانتخابات باطلة، ونادوا باعادتها في ظروف أفضل. وجاء في بيان «شباب الثورة ببني خيار» اتّهام صريح لحركة النّهضة بدعوى أنها تستغلّ قضيّة أراضي الوادي الكبير لأغراض سياسيّة، وأنها جنّدت كلّ طاقاتها في المدينة وأثّرت على نتائج الانتخابات. لكن بعض أهالي بني خيار يُدينون الطرف المنهزم بدعوى أنه لم يقبل بالهزيمة رغم أنّه من أكثر الأطراف التي ارتكبت خروقات قانونيّة عندما دعا الى فتح باب الانتخاب لكلّ من يستظهر ببطاقة تعريف وطنيّة تثبت اقامته في مدينة بني خيار، في حين أنّ القانون ينص على تصويت فرد واحد عن كلّ عائلة من عائلات المدينة.
ولا يزال الجدل مستمرّا حول العنف الذي أوقف عمليّة الفرز وأبطل نتيجة بدت شرعيّة حسب أغلب الرّوايات التّي وصلتنا رغم قرب قاعة الفرز من مركز الشّرطة التّي لم تتدخّل واكتفت بملاحظة الوضع.
هذا العنف ينذر بالمزيد من التوتّر كما يشير اليه بيان «شباب الثّورة» الدّاعي الى وقفة احتجاجيّة أمام مقرّ المعتمديّة كشكل أوّلي «للتنديد بهذه التّجاوزات والتّعبير عن الدّفاع عن أهداف الثّورة بكلّ السّبل المتاحة بما في ذلك العنف الذي يبقى آخر ملاذ» على حدّ عبارة البيان المذكور.