انتشرت التهاني بالنجاح في الباكالوريا في أغلب الصفحات التونسية بعد ساعات الخوف التي عاشتها عشرات الآلاف من العائلات التونسية بسبب تعثّر نشر النتائج التي فاقت نسبة الناجحين فيها معدل النجاح في الأعوام الماضية، حتى أن بعض خصوم النهضة اتهموا الحكومة بجعل الامتحان سهلا لامتصاص الغضب الشعبي. ثمّة مواضيع كثيرة تشد الاهتمام في الصفحات التونسية وخصوصا المعارك اليومية بين أنصار المعارضة والحكومة، ثم بين أنصار قايد السبسي وأعدائه، غير أن أصداء الفرح بنتائج الباكالوريا غطت قليلا على دوي المعارك والشتائم السياسية اليومية، خصوصا في ظل ارتفاع نسبة النجاح هذا العام.
صفحات تونسية كثيرة تزينت بباقات ورود التهنئة بالنجاح، مع نشر وتبادل أغان شهيرة مثل أغنية «وحياة قلبي وأفراحه» لعبد الحليم حافظ. كتبت أستاذة فلسفة من العاصمة تهنئ تلاميذها: «النجاح في الباكالوريا أفضل حدث في حياة التونسي، مبروك لكل بناتي وأبنائي وخصوصا تشجيعي لمن تأجلوا». كما كتب أستاذ من العاصمة: «كل عائلة فرحانة بنجاح ابن أو ابنة، وأنا فرحان بنجاح 34 ابنا وابنة من تلاميذي، نجاحهم هو نجاحي وفرحهم هو فرحي».
وبعد الغضب الجارف الذي ظهر في الصفحات التونسية أول أمس ضد اتصالات تونس ثم ضد وزارة التربية بسبب التعثر في نشر نتائج الباكالوريا، انصرف التونسيون في صفحاتهم إلى تبادل التهاني والتعبير عن الفرح. اكتشفنا أن نسبة كبيرة من ناشطي الموقع الاجتماعي هم من التلاميذ وذلك من خلال صمتهم أثناء انتظار النتائج، ثم هيجان الكثير منهم فرحا في صفحاتهم بعد ذلك.
وقد لاحظنا أن الناشطين من أساتذة التعليم الثانوي كانوا الوحيدين الذين تعاطفوا مع الذين تأجلوا إلى دورة المراقبة، ونشروا في صفحاتهم عبارات التشجيع والمساندة، فيما أعلن عدة أساتذة عن استعدادهم لإعطاء دروس مجانية مكثفة في عدة مواد مثل الفلسفة واللغة الأنقليزية والرياضيات.
ومن أجمل ما تم تداوله يوم أمس في الصفحات التونسية، قصة مؤثرة جاء فيها: «شاب يسكن مع أمه وأخته غرفة واحدة في عمارة، يتيم الأب، الأم تكدح من أجل نجاح ابنيها. نجح اليوم في الباكالوريا بتفوق، زغردت الأم فرحا وامتزجت ابتسامتها بدموع التعب، هذه صورة من صور شعبنا الذين يتحدون الظروف المادية الصعبة من أجل العلم والمعرفة»، وتقاسم ناشطون كثيرون هذه القصة المؤثرة، فيما كتب الكبار تعاليق تدعو الشباب إلى تقدير التضحيات التي تقوم بها الأمهات خصوصا من أجل تدريس أبنائهن.
غير أن السعادة بالنجاح لم تكن كاملة في الصفحات التونسية، إذ عمد بعضهم إلى نشر تعاليق متشائمة حول مستقبل الطلبة الناجحين وانعدام الآفاق في الشغل. كتب ناشط من المعطلين عن العمل: «حصلت على الباكالوريا عام 2002، وفرحت أمي المسكينة لأنها كانت تتصور أن مستقبلي مضمون، بعد عشرة أعوام مازلت نتسلف منها ثمن السجائر»، وكتب صديق له تعليقا ساخرا: «مش لو تعلمنا صنعة متاع شارع خير ؟ مش كان الواحد عمل نصبة دخان يكون مستقبله خير من الشهائد ؟».
ورغم ذلك، كانت أجواء التفاؤل هي الغالبة على الصفحات التونسية، فيما يستمر المغرمون بالعراك السياسي اليومي في معاركهم التي حفظنا تفاصيلها، باستثناء حالة الخشوع التي بدأت تخيم على صفحات أنصار النهضة والمتدينين بمناسبة اقتراب شهر رمضان حيث يتحدثون عن تقييد الشياطين، شياطين الجن طبعا، لأن شياطين الإنس موجودون في الصفحات التونسية.